الدرس اللغوي: أسلوب الاستفهام: معناه الحقيقي وأغراضه البلاغية

الدرس اللغوي: أسلوب الاستفهام: معناه الحقيقي وأغراضه البلاغية

الأُوْلَى باكلوريا مسلك العلوم والتكنولوجيات

مفهوم الاستفهام
الاستفهام هُوَ طلب الفهم، وله وجهان: حقيقي ومجازي؛ وكلاهما لقي عناية البلاغيين العرب قديماً وحديثاً، وتعرضوا لأغراضهما.
أولا: الاستفهام الحقيقي:
هُوَ طلب العلم بشيء لَمْ يكن معلوماً من قبل، أي إن المتكلم يطلب من المخاطب أن يحصل لديه فهم دقيق عَنْ أمر لَمْ يكن حاصلاً قبل سؤاله عَنْهُ. وأدوات الاستفهام حرفان (الهمزة وهل ) والباقي أسماء:
1 ـ الحرفان:
أ ـ الهمزة: وَهِيَ إما للتصديق كقول قول عدي بن زيد: أيها الشامتُ المعيِّرُ بالدهر أأنتَ المُبَرَّأ الموفورُ؟!
أَوْ للتصور، ويقصد بِهِ تعيين المفرد كقول محمد الدواس : أنجدا قتلت أم أسرت وهادا فحسب الزبا أن أنجبتك عنادا
وَقَد تحذف الهمزة ، وَخَاصَّةً فِي الشعر، فمن ذَلِكَ قول عمر بن أبي ربيعة: فو الله مَا أدري وإن كُنْتُ دارياً بِسَبْعٍ رَمَيْنَ الجمرَ أم بثمانِ؟
أراد: أَبسبع… وَفِي قول الكميت: طَرِبْتُ وما شَوْقاً إِلَى البِيْضِ أَطْربُ وَلَا لَعِباً منِّي؛ وذو الشَّيْبِ يلعَبُ؟
أراد: أَوَ ذو الشيب يلعب؟ وتدخل عَلَى الإثبات ـ كَمَا تقدم فِي الأمثلة ـ وَعَلَى النفي كقوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرح لكَ صَدرك) ، و تتصدر الهمزة جملتها
وتكون للتصديق أَوْ للتصور، بَيْنَمَا (هل) للتصديق فَقَطْ؛ وبقية أدوات الاستفهام للتصورفقط.
والتصديق طلب السؤال عَنْ شيء حدث وقوعه أم لَا؛ وتكون الإجابة عَلَيْهِ بكلمة (نعم) للإثبات، و( لَا) للنفي؛ كقولنا: (أنجح زيد؟). فالتصديق إدراك نسبة الفعل بدقة، لِأَنَّ المتكلم مُتَردّد بَيْنَ إثبات الشيء ونفيه. وَلِهَذا يطلب تحديد أحد الوجهين، وَمِنْ ثُمَّ يمتنع ذِكْر المعادل بـ(أم).
والتصور: هُوَ إدراك المفرد؛ والاستفسار عَنْ كيفية حدوث فعل مَا؛ ويتلو همزة التصور المسؤول عَنْهُ؛ وتقترن بـ (أم) المعادلة غَالِبًاً ، وتكون الإجابة عَلَى ذَلِكَ بتحديد الفعل، أومن قَامَ بِهِ عَلَى وجه الدقة، عَلَى اعتبار أن المتكلم عارف بِأَنَّ الحدث قَد وقع لكنه لَا يعرف كيفيته بدقة؛ كقولنا: (أزيد قائم أم عمرو؟) ، ويُسأل بِهَا عَنْ المسند إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ مبتدأً أم فاعلاً؛ كقولنا: (أسافر زيد أم خالد؟) أَوْ قولنا: (أزيد نجح أم محمد)؟ ويُسْأَل بِهَا عَنْ المسند كقولنا: (أذاهبٌ أنت غداً إِلَى دمشق أم ذاهب إِلَى حلب)؟ ويسأل بِهَا عَنْ الفَضلة؛ كالمفعُول بِهِ مثل: (أزيداً زرتَ أم خالداً؟) والحال مثل: أراكباً جئتَ أم ماشياً، والظرف مثل: (أغَداً تذهبُ أم بعده؟).
ب ـ هل:
وَهُوَ حرف وضع لطلب التصديق دون التصور، كَمَا تختص بالاستقبال غَالِبًاً، وإنْ دَخَلَت عَلَى الماضي كَمَا فِي قول زهير:
فمَن مبلغُ الأَحْلافَ عَنّْي رسالةً وذُبْيانَ: هل أقسمتُمُ كل مُقْسَمِ؟
وَلَا تدخل عَلَى الشرط، وَلَا عَلَى (إنَّ)، وَقَد يراد بِهَا النفي أَوْ التمني وَتَأْتِي بمعنى (قَد) مَعَ الفعل فتدخل عَلَى الخبر ( “هل جزاء ألإحسان إلَّا الإحسان” ، أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلي إِلَى من قَد هويت أطير ، ” هل أتى عَلَى الإنسان حين من الدهر” ) وَهُوَ يدخل فِي الاستفهام المجازي لـ(هل) وَلَا يحتاج إِلَى إجابة، بَيْنَمَا الاستفهام الحقيقي الَّذِي وضع للتصديق يحتاج إِلَى إجابة؛ لأنه يستفهم بِهَا عَنْ وجود شيء فِي نفسه؛ والجواب يكون بـ (نعم) للإثبات و( لَا) للنفي. وَلِهَذا لَا يجوز أن تستعمل (أم) المعادلة مَعَهَا.
2 ـ أسماء الاستفهام:
أسماء الاستفهام مبنية أَوْ معربة، وتستعمل للتصوّر فَقَطْ، ويحدّد فعل التصور حين يُعَيَّن المسؤول عَنْهُ. والمبنية سبعة أسماء والمعربة اسم واحد،
أ)ـ الأَسْمَاء المبنية: وَهِيَ:
* مَا: وتستعمل لغير العاقل؛ ويطلب بِهَا السؤال عَنْ معرفة حقيقة الشيء المستفهم عَنْهُ أَوْ شرحه. فمن معرفة الحقيقة قولنا: مَا الإنسان؟ وَمِنْ معرفة شرح حاله أَوْ صفته قوله تعالى: )ادعُ لنا ربَّك يبيِّن لنا مَا هِيَ)، وقوله: (وما تِلْكَ بيمينكَ يا موسى) . أَمَّا من جهة حذف (الألف) فِي (مَا) فَإِنَّهُ يقع فِي (مَا) الاستفهامية للتفريق بينها وبين (مَا) الموصولية، أي للتفريق بَيْنَ الاستفهام والخبر، كقوله تعالى: (فيمَ أَنتَ مِنْ ذكراها). وحذف الألف مَعَ الجر واجب، وندر إثباته إلَّا للضرورة الشعرية كَمَا فِي قول حسان بن ثابت: عَلَى مَا قَامَ يشتمُني لئيمٌ كخِنْزيرٍ تَمَرَّغ فِي دَمانِ؟!
وَإِذَا رُكِّبَتْ (مَا) مَعَ (ذا) لَا تحذف ألفها، وتكون أداة متكاملة، كلها اسم جنس بمعنى شيء. واختلف فِي شأن تركيب (ماذا) فمنهم من لَمْ يرض بِأَنَّ تكون كلها اسم جنس، وذهبوا إِلَى أَنَّ (ذا) إما موصولية وإما اسم إشارة؛ وعليه قوله تعالى: (يَسألونكَ: ماذا ينفقون)؟
* مَنْ: اسم يستعمل للعاقل ـ غَالِبًاً ـ ويُسْتَفسر بِهِ عَنْ الجنس، كقوله تعالى: )قَالَ: مَنْ يُحيي العظام وَهِيَ رميم(؛ وكقول حافظ إبراهيم:
مَنِ المداوي إِذَا مَا عِلَّةٌ عرضَتْ؟ مَن المُدافعُ عَنْ عِرْضٍ وعَنْ نَشَبِ؟!
* كم: يأتي هَذَا الاسم بالاستفهام وغيره؛ وَهُوَ اسم لِعَدَدٍ مبهم الجنس والمقدار، و(كم) اسم استفهام مفتقر إِلَى تمييز منصوب، ويتصدر جملته؛ كقوله تعالى: (كم لبثتم؟ قالوا: يوماً أَوْ بعضَ يوم) وكقولنا: (كم كتاباً قرأت؟). ويجوز أن تجر (كم) بحرف جر، وحينئذٍ يجر التمييز مَعَهَا، كقولنا: (بكَمْ دِرْهمٍ اشتريتَ الكتاب؟) ويجوز حذف التمييز (كم مالُك؟).
* أَيْنَ: ظرف يستفهم بِهِ عَنْ المكان الَّذِي حلَّ فِيهِ الشيء كقوله تعالى: )يقول الإنسان يومئذ: أَيْنَ المَفَرّ؟)، وكقولنا: أَيْنَ سافرت؟ وكقول المرقش الأكبر: إنَّا لَمِْن معشرٍ أَفنى أوائِلَهم قِيْلُ الكماةِ: ألا أَيْنََ المُحَامونا؟
ويجوز أن تسبق بحرف الجر (من) للدلالة عَلَى مكان بروز الشيء، مثل: (من أَيْنَ تخرجّت؟)
* مَتَى: المشهور فِيهَا أَنَّهَا ظرف، والاستفهام فِيهَا لتعيين الزمن ماضياً أَوْ مستقبلاً؛ كقولنا: (مَتَى سافر أحمد؟ ومتى تعود؟) وَقَالَ حافظ إبراهيم: مَتَى نراه وَقَد باتتْ خزائنه كنزاً من العلم لَا كنزاً من الذَهبِ؟!
* أيَّان: ظرف يطلب بِهِ تعيين زمان المستقبل فَقَطْ؛ كقولنا: (أيان تسافر؟ أي فِي أيّ وقت).
ووقع استعماله فِي القرآن الكريم فِي غير المعنى الحقيقي، إِذْ وقع فِي التفخيم أَوْ التهويل مثل قوله تعالى: )يسألونك عَنْ الساعة: أَيَّانَ مُرْساها؟)
* كَيْفَ: اسم يستعمل للسؤال عَنْ الحال سَوَاءً وقع اسماً صريحاً يُخْبَرُ بِهِ كقولنا: (كَيْفَ أنت؟) و(كَيْفَ كُنْت؟) أم وقع فضلة كقولنا: (كَيْفَ جاء زيد؟) ، وقول الفرزدق: إِلَى الله أَشكو بالمدينة حاجةً وبالشام أُخْرَى؛ كَيْفَ يلتقيان؟
* أَنَّى: يستعمل هَذَا الاسم للسؤال عَنْ المكان والزمان والحال تَبَعًاً للسياق، وتقوم مقام (أَيْنَ أَوْ مَتَى، أَوْ كَيْفَ). فهو بمعنى (من أَيْنَ) فِي قوله تعالى: )يا مَرْيَمُ، أَنَّى لك هَذَا (وكقولنا: (أنَّى تجلس؟). وَهُوَ بمعنى (مَتَى) فِي قولنا: (أنَّى تذهب؟)، وبمعنى (كَيْفَ) فِي قوله تعالى: )أَنَّى يحيى هَذِهِ الله بعد موتها؟)، والسياق يدل عَلَى أن الإلزام بمجيء الشيء بعد وصف ثابت بقدرة الله.
ب) الأَسْمَاء المعربة؛ وَهِيَ اسم واحد هُوَ (أيّ).
أيُّ: اسم استفهام يستعمل مُشدَّداً كقوله تعالى: )أَيُّكم زادَتْه هَذِهِ إيماناً) أي بتضعيف الياء، وَقَد يخفف كَمَا فِي قول الفرزدق يمدح فِيهِ نَصْر بن سيّار: تنظَّرْتُ نَصْراً والسماكينِ أيْهُمَا عليَّ من الغَيْث استَهَلَّتْ مواطرُهْ ويجوز أن يسبق بحروف قبله كقوله تعالى: )فبأيِّ آلاء ربكما تكذبان(.
هَذَا من جهة بنية الكلمة فِي الاستعمال، أَمَّا من جهة استعمالها اسم استفهام حقيقي فَإِنَّها تُسَتَعْمَلُ بمعنى أسماء الاستفهام المبنية كلها تَبَعًاً لإضافتها إِلَى مَا بعدها… فيطلب بِهَا تحديد شيء فِي أمر مشترك وعام كقولنا: (أَيُّكَمَا أكبر سناً؟)، فالمتكلم يستفسر عَنْ تمييز شيء مشترك بينهما وَهُوَ كبر السِنْ، وَلَكِن أحدهما زاد فِي العمر عَلَى الآخر؛ وَلِهَذا يطلب التحديد.
ويكتسب الاسم (أي) دلالته من إضافته، فالإضافة توضح فِي أيٍّ من معاني الاستفهام استعمل، كقولنا: (أيُّ الطلاب عندك؟) كأننا نسأل: (مَنْ من الطلاب عندك؟)… أَوْ (أَيَّ يوم تسافر؟) كأننا نسأل: (مَتَى تسافر؟) وكقوله تعالى: (أيُّكم يأتيني بعرشها) ، أي (مَنْ منكم)؟ فأي الاستفهامية تضاف إِلَى المعرفة وإلى النكرة، وَقَد تقطع عَنْ الإضافة نَحْوَ: (أيَّاً أكرمتَ؟).
ثانيا: الاستفهام المجازي
أدوات الاستفهام لَا تتوقف عِنْدَ المعاني الأصلية للاستفهام الحقيقي المتطلب إجابة محددة. ولكنها قَد تربط الاستفهام بتصور مَا للمتكلم دُونَ أَنْ يستفسر عَنْ شيء؛ وبهذا يخرج إِلَى معنى مجازي لَا يطابق فِي دلالته الضمنية الدلالة الصريحة فيصبح بمعنى الخبر، لَا بمعنى الإنشاء.
وحين يخرج الاستفهام عَنْ مقتضى الظاهر إِلَى الدلالات السياقية ( الأغراض البلاغية = الاستلزام الحواري = القوة الإنجازية) إنّمَا يؤدي ظاهرة جمالية وبلاغية يَعْتَمِدُ فِي معرفتها عَلَى السلائق والذوق والسياق والقرائن الَّتِي يدور حولها الكلام… وَهِيَ لَا تحصر فِي معانٍ محددة؛ إِذْ حضورها متفاوت فِي الذهن ، وسلوك معرفي غير ثابت. وَلِهَذا سنسوق بعض أساليب الاستفهام المجازية عَلَى سبيل التمثيل لَا الحصر.
1 ـ التقرير:
استفهام المجازي يحمل المخاطب عَلَى الإقرار بفكرة، وبمعنى آخر السؤال نفسه جواب ثابت. ويستعمل فِي هَذَا الأسلوب الفعل المنفي المسبوق ـ غَالِبًاً ـ بهمزة الاستفهام؛ وإن جاز استعمال الأدوات الأخرى ـ كقوله تعالى (أْلَمْ يجدك يتيماً فأوى) والمعنى (وجدك) وقوله: (أَلَمْ يَجْعَل كَيْدَهم فِي تضليل) أي (جعل كيدهم…) وقول البحتري: أَلسْتَ أَعَمَّهمْ جوداً وأَزكى إِذَا مَا لَمْ يكُنْ للحَمْدِ جابِ؟
2 ـ الإخبار والتحقيق:
الإخبار هُوَ الإعلام بالشيء، ويستعمل لإثبات أمر مَا؛ لذا ارتبط بِالتَّحْقِيقِ فِي أسلوب الاستفهام لأنه يتجه إِلَى إطلاع السامع أَوْ تثبيت خبر لديه، أَوْ أَنَّهُ يرمي إِلَى كليهما مَعًاً كقوله تعالى: (ألا إنهم هُم المفسدون وَلَكِن لَا يشعرون) وقوله: (ألم نُرَبِّكَ فينا وليداً) والمعنى (إننا قَد ربيناك فينا وليداً)؛ عَلَى حين دَلَّت فِي الشاهد الأول عَلَى التحقق لما بعدها والتنبيه عَلَيْهِ (ألا إنهم…) ويستعمل فِيهِ ـ غَالِبًاً ـ (همزة الاستفهام) ـ كَمَا ورد فِي الأمثلة السابقة ـ وكَذَلِكَ يستعمل فِيهِ (هل) كَمَا فِي قوله تعالى: (هل أتى عَلَى الإنسان حِيْن من الدهر لَمْ يكن شيئاً مذكوراً) ؛ والمعنى (قَد أتى عَلَى الإنسان). وَقَد تستعمل الهمزة مَعَ لفظ (حقّ ـ حقاً) أَوْ تستعمل مَعَ النفي الَّذِي يراد مِنْهُ الإخبار والتحقيق؛ فَهَذَا عَبْدُ يغوثَ يستعملها مَعَ (حقاً) فِي قوله: أَحقّاً عبادَ اللهِ أَنْ لستُ سامعاً نَشيدَ الرِّعَاءِ المُعْزبين المَتَاليا
3 ـ التسوية:
اختص أسلوب التسوية باستعمال (الهمزة) مَعَ (أم) المعادلة؛ لِأَنَّ الهمزة تستعمل للتسوية فِي الدلالة بَيْنَ مَا قبل (أم) وما بعدها، والجملة بعد الهمزة يصح حلول المصدر محلها… و تستعمل مَعَ (سَوَاء) كَمَا فِي قوله تعالى: (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهم أم لَمْ تُنذرهم لَا يُؤمنون) وَمَعَ (مَا أدري) ونحوه، كقول الفرزدق: وواللهِ مَا أدري، أجُبْنٌ بجَنْدَلٍ عَنْ العَوْدِ أم أعيت عَلَيْهِ مضاربُهْ؟
وقوله تعالى: (وإن أَدْري أَقريبٌ أَمْ بعيدٌ مَا توعدون). وتستعمل كذلك مَعَ تركيب (مَا أبالي) ونحوه؛ كقول المتنبي:
ولسْتُ أُبالي بعْدَ إدراكيَ العُلَى أَكَانَ تُراثاً مَا تناولتُ أَمْ كَسْبَا؟
وَمَعَ (لَيْتَ شعري، وليت علمي) ونحوهما، ومِنْهُ قول الفرزدق: أَ لَا لَيْتََ شعري مَا أرادت مُجَاشِعٌ إِلَى الغَيْطِ أَمْ ماذا يقول أَميرُها؟
وَقَد يُمْزَج أسلوب التسوية بالتهكم والهجاء كَمَا فِي قول حسان بن ثابت: وما أُبالي أَنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ أمْ لحَاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ
4 ـ العَرْضُ والحضّ:
هذان أسلوبان متماثلان؛ وإن زاد أحدهما عَلَى الآخر فِي المعنى؛ فالعَرْضُ: طلب الشيء بِلين، والحَضُّ: طلبه بقوة مرة بعد مرة؛ ويستعمل فيهما الهمزة مَعَ ( لَا) فتصبحان (أَ لَاَ) وَهُمَا كالاسم الواحد؛ وتختص بالفعل، وَمِنْ العرض قوله تعالى: (ألا تحبون أن يغفر الله لكم)؛ وَمِنْ الحض قوله تعالى: )أَ لَا تقاتلون قوماً نَكَثُوا أَيمانَهم(، فهو يحثهم عَلَى القتال؛ أي (قاتلوهم)؛ وكَذَلِكَ قوله تعالى: )أَنِ ائتِ القومَ الظالمين* قومَ فرعون؛ أَ لَاَ يتقون)؛ أي (ائتهم وأمرهم بالتقوى).
5 ـ الإسترشاد وطلب التَّوجِيه:
كَمَا فِي قوله تعالى: )قالوا: أتجعل فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا ويَسْفِك الدماء). فالملائكة رأوا الجن يسفكون الدماء فِي الأرض ويفسدون فِيهَا؛ لِهَذَا خاطبوا الله ـ سبحانه ـ لما قرر أن يجعل بني آدم فِيهَا؛ فتوجهوا إِلَيْهِ بالسؤال ليرشدهم عَنْ أمر بني آدم؛ أم أن شأنهم سيكون شأن الجن؛ فكان قول الله سبحانه وتعالى: )قَالَ: إني أعلم مَا لَا تعلمون). ولما كَانَ سؤالهم سؤالا بِهَذَا المعنى لَمْ يستكبروا أن يسجدوا لآدم، بعكس إبليس الَّذِي عصى أَمْرَ ربه.
6 ـ الإيناس والإفهام:
ويُفْهم من قوله تعالى: )مَا تِلْكَ بيمينك يا موسى( . فموسى كَانَ يستأنس بعصاه ويستعملها لغاياته الخَاصَّة؛ وحينما أَلقاها بأمر الله )فَإِذَا هِيَ حيَّةٌ تسعى) فَدبَّ الرعب فِي نفسه، فهَدَّأ الله روعه فِي قوله: )قَالَ: خُذْها وَلَا تَخَفْ سنُعيدُها سِيْرتها الأُوْلَى) أي نُرجعهُا إِلَى مبدئها الَّذِي عرفه موسى وَهُوَ العصا غير المؤذية؛ وَمِنْ ثُمَّ ليبيّن لـه الله أَنَّهُ قادر عَلَى أن ينصره؛ ويفعل مَا يشاء. فجمالية الإيناس والإفهام تظهر فِي نَسقية السياق مراعاة لمقتضى الحال؛ أي أن السياق وحده قَد أوضح أن الاستفهام المجازي فِي قوله (مَا تِلْكَ…) يتجه إِلَى استبطان الجواب فِي السؤال نفسه .
7 ـ التشويق:
التشويق حمل النفس عَلَى الميل إِلَى الشيء؛ وتهييجها إِلَيْهِ كَمَا فِي قوله تعالى: )يا أيها اللَّذِينَ آمنوا: هل أَدُلَّكُم عَلَى تجارةٍ تُنْجيكم من عَذابٍ أَليم). فالمؤمنون يتشوقون إِلَى معرفة: مَا التجارة الَّتِي تنجيهم بالسؤال (هل أدلكم)؟ ثُمَّ جاءت الآية التالية لتفسير تِلْكَ التجارة وإراحة النفس من عواطفها الفياضة وفضاءاتها التفكرية بقوله تعالى: (تؤمنُوْنَ بالله ورسوله وتجاهدون فِي سبيل الله بأموالكم وأَنفسكم، ذلكم خَيْر لكم إنْ كُنْتُمْ تعلمون)، وكَذَلِكَ نجده فِي قوله تعالى: (قَالَ: يا آدمُ؛ هَلْ أَدُلك عَلَى شجرة الخُلدِ ومُلْك لَا يَبْلى). فالشيطان وسوس لابن آدم وشوقه إِلَى شجرة الخلد بالسؤال (هل أدلك…). وهذا التشويق جعله يزلّ؛ ويتبع غواية الشيطان.
8 ـ الأمر:
يخرج الاستفهام إِلَى أسلوب مجازي يسمى الأمر؛ كَمَا فِي قوله تعالى: )فَهَلْ أنتم منتهون) أي (انتهوا)، وقوله: )فَهَلْ أنتم مسلمون) أي (أسلموا)… وهذا نَحْوَ قوله تعالى: (أَأَسلمتم؟) ( أي (أَسلموا)؛ وكقوله تعالى: )وما لكم لَا تقاتلون فِي سبيل الله( أي (قاتلوا فِي سبيل الله). فالعبرة من هَذَا الاستخدام إنما هُوَ فِي التركيب الَّذِي يجسد أمراً غير حاصل وقت الطلب بأسلوب الاستفهام.
9 ـ النفي:
كثر خروج الاستفهام إِلَى النفي فِي كلام العرب وأشعارها، وَفِي القرآن كقوله تعالى: )مَنْ يغفر الذنوب إلَّا الله) أي ( لَا يغفرها إلَّا الله)… وكقوله: (من ذا الَّذِي يَشْفعُ عنده إِ لَا بإذنه) أي لَا يشفع عنده أحد إلَّا بإذنه. وكقوله: (هل جزاءُ الإِحسان إِ لَا الإحسان) أي (مَا جزاء الإحسان إلَّا الإحسان) وَقَالَ أبو تمام: هلِ اجتمعتْ أَحياءُ عدنانَ كُلُّها بمُلْتَحمٍ إلَّا وأنت أَميرُهَا؟.
ومثله قول الشاعر: هلِ الدَّهْرُ إلَّا سَاعةٌ ثُمَّ تَنْقضي بِمَا كَانَ فِيهَا من بَلاءٍ وَمِنْ خَفْضِ؟ أراد: مَا الدهر… ودليل النفي فِي الشاهدين انتقاضه بإلا؛ ومثله قول البحتري: هلِ الدهر إلَّا غَمْرةٌ وانجلاؤها وَشِيكاً وإلا ضَيْقةٌ وانفراجُها؟
10 ـ التمني:
كقوله تعالى: )فهَل لنا من شُفَعاءَ فيشفعوا لنا( فالذين خسروا أَنْفُسَهُمْ يتمنون أن يُرَدُّوا إِلَى الدنيا ليعلموا غير الَّذِي عملوه، وَلَكِن هيهات لَهُمْ الرجوع. فما استعمل أسلوب التمني الحقيقي بَلْ استعمل الاستفهام؛ فجاء الأسلوب أعلى إيحاء…. وعليه أيضًاً قول أبي العتاهية فِي مدح الأمين:
فمَن لِيَ بالعَيْنِ الَّتِي كُنْتَ مَرَّةً إليَّ بِهَا فِي سَالفِ الدَّهرِ تُنْظرُ؟
فالاستفهام خرج إِلَى التمني لإنزال الممكن منزلة المستحيل؛ لإعلاء مكانة الممدوح لِأَنَّ غيره لَا يستطيع فعله. ومثله فِي التمني قول الشاعر:
ألا عُمْرَ ولَّى مُسْتطاعٌ رجوعُهُ فَيَرْأَبَ مَا أثْأَتْ يدُ الغَفَلاتِ؟
فقد نَصب الشاعر فعل (يرأب) لأنه جواب تمنٍّ مقرون بالفاء… وهيهات أن يرجع العمر الَّذِي ذهب إِلَى رجعة… إِذْ أفسدت يد الغفلات ذَلِكَ…

11 ـ النهي:
يخرج أسلوب الاستفهام إِلَى النهي عَنْ فعل شيء مَا كقوله تعالى: )أَتَخْشَونهم؟ فالله أَحَقُّ أَنْ تخشَوه إن كُنْتُمْ مؤمنين) وأراد ( لَا تخشوهم). وَمِنْ أسلوب الاستفهام للنهي قوله تعالى: (يا أيها الإنسانُ: مَا غَرَّك برَبِّك الكريم؟) أراد ( لَا تغتر بالله ورحمته واعمل لآخرتك).
12 ـ التعظيم والتفخيم:
كقول العَرْجِي مفتخراً بنفسه: أَضَاعوني وأَيَّ فتىً أضَاعوا ليومِ كريهةٍ وسَدادِ ثَغْرِ؟
فالشاعر رفع مِنْ شَأْنِهِ وَأَوْضَحَ أن العشيرة خسرت بِهِ رجلاً عظيماً فِي الشدائد.
وجمع المتنبي فِي مديح كافور الإخشيدي بَيْنَ تعظيمه وبين استنكاره لارتياب الأعداء فِيمَا خصّه الله عَلَى يديه من النصر والحظ السعيد:
أتلتمسُ الأعداءُ بعد الَّذِي رَأَتْ قيامَ دليلٍ أَوْ وضوحَ بيانِ؟
وَفِي التعظيم والإجلال الَّذِي ورد فِي الرثاء يقول المتنبي مظهراً مَا كَانَ للمرثي فِي حياته من صفات السيادة والشجاعة والكرم؛ مَا جعل الشاعر يتحسر عَلَيْهِ ويتفجع لفقده: مَنْ للمحافلِ والجحافلِ والسُّرَى فقدَتْ بفَقْدكَ نَيّراً لَا يطلعُ
وَمِنْ اتخذْتَ عَلَى الضُّيوفِ خَليفةً ضاعوا ومِثلُكَ لَا يكاد يُضَيِّعُ؟
وكما فِي قوله تعالى: )وما أدراك مَا يوم الدين* ثُمَّ مَا أدراك مَا يوم الدين). ونجد نحواً من ذَلِكَ فِي قول ابن هانئ الأندلسي:
مَنْ منكم الملِكُ المطاعُ كأنَّه تحتَ السَّوابغِ تُبَّعٌ فِي حِمْير؟
فهو يخاطب الجنود مستفسراً ومستعظماً: من منكم الملك الَّذِي لـه من القوة والسلطان مَا لممدوحه؛ وكأنه فِي ساحة المعركة ملك من ملوك اليمن (قبيلة حمير).
13 ـ التهويل:
وعليه قوله تعالى: (القارعةُ* مَا القارعة*، وما أدراك مَا القارعة) ، وقوله: )هل أتاك حَديثُ الغاشية* وجوه يومئذ خاشعة) ، ويعدُّ استعمال أداة الاستفهام (مَا) المبهمة فِي الدلالة من أعظم الاستعمالات فِي هَذَا المقام؛ وَهِيَ ذات إيحاء بديع فِي التأثير
14- الاستبطاء
كقول الدواس : مَتَى ستزورنا منكم ركاب بِهَا الشرف الرفيع لنا كتاب
فالشاعر استبطأ زيارة أحبابه فعمد بالسؤال يعبر عَنْ شوقه إِلَيْهِمْ وانتظاره بفارغ الصبر قدومهم، وكقوله تعالى: (مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )
15- الإنكارُ، كقوله تعالى: ( أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ)
16- الاستبعادُ، كقوله تعالى: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ )
17- التحقير، كقوله تعالى: (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ)
18- التعجّبُ، كقوله تعالى: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ )
19- التهكّمُ، كقوله تعالى: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)
20- التحسّرُ، كقوله تعالى: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ )
21- الوعيدُ، كقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ)

ذ محمد الدواس

.

عَنْ الموقع

ان www.men-gov.com مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع التدريس والتوجيه وَالتَعْلِيم وَكَذَا اعلانات الوظائف بالمغرب,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعليمية التربوية الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها التلميذ والطالب و الأستاذ والمدير والباحث عَنْ فرص الشغل سَوَاء كت تابعة لمؤسسات الدولة اوغير تابعة لَهَا ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِوِزَارَةِ التربية الوَطَنِية والتَّكْوين المهني وَالبَحْث العلمي واي مؤسسة وطنية اخرى.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي men-gov.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير men-gov.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

À propos du site

men-gov.com est une plate-forme indépendante complète et moderne qui suit le rythme de tous les sujets d’enseignement, d’orientation et d’éducation, ainsi que des offres d’emploi au Maroc, et comprend également un ensemble de services et de méthodes éducatives qui simplifient et expliquent les choses qui répondent aux besoins de l’étudiant, du professeur, du directeur et du chercheur d’emploi, privé ou public, Il est à noter que cette plateforme n’est pas reliée au ministère de l’Éducation nationale, et de la Formation professionnelle et de la Recherche scientifique, et à tout autre institution.
Chaque année, notre plateforme profite à plus de 25 millions de visiteurs de tous âges.
Sur men-gov.com, nous avons pris en charge 4 principes:
Qualité et exactitude du contenu publié sur le site
Navigation fluide du site et bonne organisation afin d’obtenir des informations sans prendre la peine de chercher
Mise à jour continue du contenu publié et se tenir au courant des nouveaux développements du système éducatif
Ajout de fonctionnalités et de services éducatifs renouvelables
Depuis 3 ans, nous avons fourni plus de 50 000 articles et plus de 00 000 fichiers pour un développement permanent de notre plateforme qui correspond à vos aspirations, et le suivant est plus beau, si Dieu le veut.
⇐ Plateforme développée par DesertiGO et maintenue par men-gov.com
⇐ Vous pouvez nous suivre sur les réseaux sociaux pour recevoir nos actualités: cliquez ici multi-positivisite

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *