المنهج البنيوي: نص نظري: المنهج البنيوي صلاح فضل
المنهج البنيوي: نص نظري: المنهج البنيوي صلاح فضل
الثَّـانِيَة باك آداب وعلوم إنسانية
إشكالية القراءة :
تمردت التيارات البنيوية العربية عَلَى المناهج التفسيرية (التاريخية والنفسية..)، وَإِنْطَلَقَتْ من تصور جديد لكيفية قراءة النص الأدبي معتمدة أطرا مرجعية ومفاهيم ومصطلحات خاصة، متأثرة بمناهج النقد الغربية، فأصبح النص الأدبي ذاته موضع بحث علمي، وأقصي مَا دعته البنيوية بخارج النص extra text
وتعود نشأة المنهج البنيوي إِلَى منتصف العقد الثاني من القرن العشرين، مَعَ دوسوسير الَّذِي أسس للقطيعة مَعَ المقاربات التقليدية للغة. والشكلانيين الروس اللَّذِينَ أسسوا لمقولة البحث عَنْ أدبية النص. و”حلقة براغ” ونظرية التواصل. واكتمل تبلور هَذَا المنهج مَعَ رواد البنيوية فِي الغرب، كرومان ياكوبسون و كلود ليفي ستراوس و جيرار جنيت و غريماس ..
والبنيوية منهج وصفي تحليلي فِي قراءة النص الأدبي يهتم بالعالم الداخلي للنص الأدبي فِي بنياته اللغوية والفنية والرمزية، ويعتبر النص الأدبي متوالية من الجمل، يَجِبُ أن تدرس صوتيا ومعجميا وصرفيا وتركيبيا أَوْ نصيا، ويُبحث عَنْ العلاقات والقوانين الباطنية الَّتِي تحكمه، فالنص بنية مغلقة عَلَى ذاتها يَجِبُ أن تدرس من داخلها.
اهتم بالمنهج البنيوي فِي العالم العربي نقاد مثل : وعبد السلام المسدي، وجمال الدين بن الشيخ، وعبد الفتاح كليطو، وعبد الكبير الخطيبي، ومحمد بنيس، ومحمد مفتاح، وصلاح فضل المولود سنة 1938 بكفر الشيخ بمصر، مجاز فِي الأدب عام 1962، حاصل عَلَى دكتوراه الدولة من جامعة مدريد سنة 1971، اشتغل مدرسا بالجامعة، ومستشارا ثقافيا لمصر بإسبانيا، فعميدا للمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون، فاز بالعديد من الجوائز التقديرية المصرية والعربية، ألف فِي النقد الأدبي ونظرية الأدب والنقد التطبيقي والترجمة، خلف عدة آثار مِنْهَا (بلاغة الخطاب وعلم النص)،(تحولات الشعرية العربية)، (مناهج النقد المعاصر) الَّذِي أُخذ مِنْهُ النص موضوع درسنا .
الملاحظة وصوغ الفرضية :
عنوان النص “المنهج البنيوي” مركب اسمي يَتَكَوَّنُ من مصطلحين: “المنهج ” وَهُوَ عملية نقدية منتظمة، تستند إِلَى إطار نظري لقراءة النص وفق مبادئ مضبوطة، و” البنيوي”، وَهُوَ نعت يُضمر مفهوم “البنية”، اقترن بياء النسبة للدلالة عَلَى صفة تخصيصية للمنهج أَمَامَ تعدد المناهج النقدية فِي دراسة الأعمال الأدبية. و”المنهج البنيوي” منهج نقدي يتعامل مَعَ النص كبنية لَهَا قوانينها ومبادئها المنظمة لعناصرها كنسق كلي، تستقل دلالته عَنْ الخارج .
” النظرية البنيوية ” ؛ ” البنية الدلالية للقصيدة”؛ ” الواقع هُوَ النص الأدبي ذاته” مشيرات نصية يجمع بَيْنَ كونها تنتمي إِلَى المقاربة البنيوية للنصوص الأدبية، باعتبارها تبحث فِي المبادئ المنظمة للدلالة فِي النص، وَهِيَ مقاربة تستند إِلَى إطار نظري بنيوي تستمد مِنْهُ المفاهيم والأدوات الإجرائية لقراءة النصوص .
ـ مِنْ خِلَالِ الملاحظات السابقة نفترض أن النص يستعرض المنهج البنيوي : أسسه، خصائصه وأهميته ن ويطرح إشكالية إمكانات المنهج البنيوي ومميزاته مقارنة مَعَ غيره من المناهج التفسيرية .
فما القضية المطروحة فِي النص ؟ وما المفاهيم المؤطرة لَهَا ؟ وما مرجعية الكاتب فِيهَا ؟ وما طرائق عرضه للقضية ؟ وما مقصديته من طرحها ؟
الــفــهـــم : وحدات النص الفكرية :
1 ـ تمثلت إرهاصات المنهج البنيوي (فِي النصف الأول من القرن العشرين) فِي حقل الدراسات اللغوية باعتباره طليعة الفكر البنيوي .
2 ـ حدد البنيويون مجال عملهم، فأكدوا أن موضوع الأدب هُوَ العالم الَّذِي يحيا فِيهِ الأديب المبدع، وَأَن موضوع النقد هُوَ الأدب وَلَيْسَ مرجعه الخارجي بأبعاده الاجتماعية والسياسية والتاريخية . لَقَدْ رفضوا القراءة الإيديولوجية للأدب، الَّتِي تُعيق الوقوف عَلَى كيفية اشتغال النص الأدبي، لأنها تحتكم إِلَى معايير مسبقة تحجب إدراك كيفية أداء الأدب لوظائفه التعبيرية والجمالية.
3 ـ استند المنهج البنيوي إِلَى أسس نظرية تمثلت فِي تيارات العلم الحديث، خاصة مِنْهَا :
أ ـ الفلسفة الظاهراتية: لَا تهتم بالجانب الميتافيزيقي الغيبي فِي دراسة الأشياء، وتركز عَلَى مَا يَتَجَلَّى للإدراك فِي لحظة معينة
ب ـ علم اللغة : وَهُوَ مصدر أهَمُ مصطلحات المنهج البنيوي، ومفاهيمه ومنها مصطلح البنية الَّذِي نشأ فِي علم النفس موازيا لفكرة (الجشطالت أَوْ الإدراك الكلي)، وَفِي الأنثروبولوجيا (إدراك نَظَّمَ العلاقات فِي المجتمعات البدائية)، وَفِي علم اللغة .
4 ـ تبلور مفهوم البنية فِي عدة قضايا، تخص مجال النقد، يمكن ترتيبها كالتالي :
ـ الأعمال الأدبية تمثل كُلية باعتبار دلالتها ترتبط بِهَذَا الطابع الكلي لَهَا ؛ ( فالبنية الدلالية للقصيدة مثلا، ليست هِيَ حصيلة أجزائها، بَلْ تُبنى من مستويات تخترق هَذِهِ الأجزاء، وتتغلغل فِيهَا وتشتبك مَعَهَا، إِنَّهَا مُحصلة مجموعة من البُنى [كالبنية الإيقاعية، والتركيبية، والتعبيرية، والتخييلية الَّتِي تصل إِلَى ذروتها فِي المُسْتَوَى الرمزي الكلي] ).
ـ فهدف البنيوية هُوَ الوصول إِلَى فهم المستويات المتعددة للأعمال الأدبية ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة عَلَى غيرها وكيفية تولُّدها، ثُمَّ كيفية أدائها لوظائفها الجمالية والشعرية، مِمَّا جعل البنيويين يُطلقون شعار “موت المؤلف إشارة إِلَى وضع حد للتيارات النفسية والاجتماعية .
ـ رفض أحكام القيمة الخارجية وإحلال حكم الدلالة والوظيفة والقيمة للمكون النصي :أي مَا ينبثق مِنْهُ وما يَتَجَلَّى فِيهِ من قدرة وإنجاز .
5 ـ أهمية المنهج البنيوي، ومقارنته بغيره فِي الغرب والعالم العربي :
ـ مُنْذُ السبعينيات من القرن العشرين غزت المصطلحات البنيوية بقية الحقول المعرفية (الماركسية ـ الوجودية …) لترسيخ التطور المفاهيمي والمعرفي للفكر النقدي الغربي، وشكلت الإطار العام للفكر والثقافة لتنمية مبادئ تِلْكَ الحقول المعرفية، وتدارك نقائصها
ـ فِي العالم العربي شكلت البنيوية مُنطلقا لتحديث الخطاب النقدي .
التحــلــيـــــل :
1ـ الإشكالية المطروحة :
تتعلق إشكالية النص بخصائص المنهج البنيوي وأسسه النظرية فِي قراءته الوصفية التحليلية للنص الأدبي . فهو منهج يتميز بكونه ينظر إِلَى موضوع النص مِنْ خِلَالِ الواقع الكامن فِيهِ، وَالَّذِي يُتوصل إِلَيْهِ من زاوية مستوياته المتعددة الَّتِي تخترق أجزاءه، ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة، وتكشف دلالته المرتبطة بطابعه الكلي، وَالَّتِي تحددها المبادئ والقوانين المنظمة لنسقه الكلي. ثُمَّ كيفية تولدها وأدائها لوظائفها الجمالية والشعرية . وَمِنْ هُنَا رفض أحكام القيمة، وتبني حكم الواقع، واقع النص .
2 ـ المفاهيـــم :
أ ـ حقل النقد التفسيري (خارج النص) :
[علاقة الأدب بالحياة ـ إيديولوجيات ـ نظريات مرتبطة بجوانب سياسية أَوْ اجتماعية أَوْ تاريخية ـ منطق إيديولوجي ـ معايير مُسبقة ـ حقيقة جوهرية فلسفية ـ نظرية فِي الحياة ـ المستويات الخارجية ـ الميثولوجيا القديمة ـ الماركسيين والوجوديين
تنتمي إِلَى المنهج الاجتماعي ـ النفسي ..]
ب ـ حقل النقد الوصفي (دَاخِل النص) :
[ميتا لغوي ـ لغة النقد تسبح فَوْقَ لغة النص ـ النقد الأدبي .. علم للأدب ـ الوظائف التعبيرية والجمالية ـ الرموز المتماسكة فِي الأعمال الأدبية ـ نظرية فِي ظواهر الإبداع الأدبي ـ الظاهراتية ـ نقد الأدب نوع من العلم الإنساني ـ علم اللغة / الغطاء النظري للبنيوية ـ البنية ـ الجشطالت ـ علم اللغة ـ الأعمال الأدبية تمثل أبنية كلية ـ البُنى الجزئية ـ البنية الدلالية للقصيدة ـ مستويات الأعمال الأدبية ـ دراسة العلائق وتراتبها ـ العناصر المهيمنة عَلَى غيرها ـ كيفية تولدها ـ الوظائف الجمالية والشعرية ـ موت المؤلف ـ حكم الواقع ـ النص ذاته – رفض أحكام القيمة الخارجية- مَا ينبثق من النص ..]
ـ لَقَدْ تحكمت فِي بناء المعجم علاقة التعارض بَيْنَ التصورين : الدراسة الخارجية الَّتِي تؤمن بمفهوم المرآوية والانعكاس، وإن كَانَ الاختلاف فِي المحيل عَلَيْهِ (الفرد أَوْ الجماعة أَوْ المحيط)، والدراسة الداخلية للنص الَّتِي تَنْطَلِق من كون النص الأدبي لَا يعكس إلَّا ذاته.
ـ نلاحظ هيمنة المصطلحات المتعلقة بالمنهج البنيوي تمشيا مَعَ رغبة الكاتب فِي تَقْدِيم التصور الجديد الَّذِي يستند إِلَيْهِ المنهج البنيوي فِي النقد الأدبي؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الأمر يَتَعَلَّقُ برصد أسس المنهج البنيوي وتأصيله وإبراز أهَمُ مفاهيمه وبيان أهميته ومميزاته مقارنة مَعَ غيره.
ـ تُستمد المفاهيم من حقول علمية عديدة مثل: اللسانيات الَّتِي كَانَت المنطلق لكثير من المقاربات (الشكلانية، الأسلوبية، الشعرية، السيميائيات..) يجمعها قاسم مشترك، اصطلح عَلَى تسميته بالقراءة البنيوية، وَمِنْ التَارِيخ والاجتماع.
وَقَد لعبت هَذِهِ المفاهيم دورا هاما فِي إضاءة القضية المطروحة فِي النص، والكشف عَنْ إمكانات المنهج البنيوي، وجرد مميزاته.
3 ـ القضايا المتفرعة عَنْ الإشكالية :
تفرعت عَنْ هَذِهِ الإشكالية بعض القضايا النقدية، مِنْهَا:
أ ـ مفهوم البنية نظريا ووظيفيا : حيثـ يُنظر إِلَى العناصر باعتبارها مكونات ضمن معمار النص، تتميز بطابعها الدلالي الَّذِي يُبرز كَيْفَ يأتي المعنى إِلَيْهِ. ويخضع معمار النص من حَيْتُ تحديده، وطريقته فِي التدليل والاشتغال، إِلَى مختلف المفاهيم الإجرائية الَّتِي تحدد المنهج الَّذِي تتبناه النظرية بوصفها جهازا واصفا، لَهُ كفاياته المخصوصة، وطريقته فِي الاستدلال عموما. ويختلف المعمار من هَذَا المنظور باختلاف الإطار النظري الَّذِي يستند إِلَيْهِ فِي التحديد، وَمِنْ تمَّ فهو، منظورا إِلَيْهِ باعتباره تركيبا للنص، تنتظم فِيهِ المُعْطَيات اللسانية لبناء النسق الدلالي العام . والعمل الأدبي ليس أجزاء مُسْتَقِلَّة متجاورة، بَلْ هُوَ عناصر مترابطة بعلاقات متكاملة، تتفاعل فِيمَا بينها وظيفيا، تتسق ضمن الوحدة الكلية للنص، حَتَّى أَنَّ كُلَّ تَغْيير فِي العنصر يترك أثره عَلَى البنية كلها. فدراسة هَذِهِ البنية فِي ذاتها عبر التوصيف هُوَ مَا يمكن من الوقوف عَلَى جمالية النص أَوْ أدبيته.
ب ـ مقولة موت المــــؤلـف : شعار “موت المؤلف الَّذِي أطلقه رولان بارت إشارة إِلَى وضع حد للتيارات النفسية والاجتماعية.
ج ـ اعتبار عالم النص الأدبي عالما مُغلقا : عالم النص الأدبي داخلي مُغلق فِي بنياته اللغوية والفنية والرمزية ؛ والجمالية فِي النص الأدبي تَتَجَلَّى فِي حركة العناصر من حَيْتُ هِيَ عناصر مختلفة فِي مَا بينها، وَمِنْ حَيْتُ كونها تنسج فِي حركتها أنساقا من العلاقات المتنوعة. الجمالية مكمنها النسيج وقدرة العناصر عَلَى توليدها نسقا متميزا ينهض بالبنية ويصل بِهَا إِلَى نمذجة النظام وإلى وضعه عَلَى مستواه الصافي الشفاف حَتَّى الخفاء واللاحضور أَوْ حَتَّى الإيهام باللانظام أَوْ بالعفوية .
وهكذا فالعلاقة بَيْنَ القضايا المتفرعة عَنْ القضية الأساس (خصائص المنهج البنيوي) هِيَ علاقة تكامل وإيضاح، يسعى الكاتب من ورائها إِلَى إضاءة قضية النص .
4 ـ الإطار المرجعي :
الإطار المرجعي الَّذِي استند إِلَيْهِ الكاتب يؤول إِلَى:
ـ الدراسات اللسانيـة : “العلم الَّذِي يدرس اللغة فِي ذاتها ولذاتها” بتعبير دي سوسير فِي كتاب “محاضرات فِي علم اللسان العام”، فكان هَذَا بداية النظر إِلَى اللغة نظرة جديدة تقوم عَلَى دراسة اللغة باعتبارها نسقا ونظاما عناصره الأساسية هِيَ : الصوت ، المعجم، الصرف ، التركيب، والدلالة، واعتبارها أداة للتواصل.
ـ حركة الشكلانيين الروس : الَّتِي أطلقت مقولة البحث عَنْ أدبية النص، فِي العناصر النصية والعلاقات المتبادلة بينها والوظيفة الَّتِي تؤديها فِي مجمل النص، وتعاملت مَعَ الشعر الرمزي، ووقفت عَلَى جماليته انطلاقا من شكل المضمون، وجسدت فِي أبحاثها المرحلة الأُوْلَى للمنهج البنيوي قبل تطوره، فروادها هم أول من بحث فِي القوانين الداخلية للنصوص الأدبية .
ـ حركة ” براغ ” : خاصة رومان ياكبسون فِي كتابه : “قضايا اللغة الشعرية”.
ـ الفلسفة الظاهراتية : مَعَ” إدموند هوسرل، فلسفة ” لَا تهتم بالغيبيات والمتافيزيقا بَلْ بالعلم، بالجوانب الَّتِي تدرك، وبالكيفية الَّتِي يُنجز بعا العمل .
– والفلسفة الوضعية الَّتِي سارت فِي اتجاه الموضوعية والاستقصاء العلمي التجريبي.
إن غنى المعجم وتناسل القضايا والمفاهيم يدل عَلَى تنوع المرجعية النظرية للمنهج البنيوي. مثل نظرية الجشطلت الَّتِي نظرت إِلَى لشعور عَلَى أَنَّهُ بنية مركبة ومتداخلة العلاقات فيكون الإدراك كليا : إدراك الكل قبل الجزء، وبعض التيارات اللسانية الَّتِي تعتبر اللغة نظاما من العناصر (المستويات:الصوت-المعجم-التركيب-…) وتدرسها فِي ذاتها دراسة وصفية
5 ـ طرائق العرض :
انسجاما مَعَ طبيعة هَذَا الخطاب شيد الكاتب نظامه التفسيري متوسلا بعدة أساليب للتفسير، مِنْهَا : التعريف : “كَانَ الغطاء النظري للبنيوية هُوَ علم اللغة “، والمقارنة : “المبدع يرى العالم ويكتب عَنْهُ، لكن الناقد ليس لَهُ علاقة مباشرة بِهَذَا العالم”. كَمَا قارن بَيْنَ المنهج البنيوي والمنهج الاجتماعي والنفسي، وبين لغة الأدب ولغة النقد، والتمثيل : ” فالقصيدة لَا تصبح مجرد مجموعة من الأبيات بَلْ تبنى من مستويات تخترق هَذِهِ الأجزاء..” ، والسرد” كَانَ قَد نشأ فِي الأنتروبولوجيا…..ونشأ فِي علم اللغة….. وأصبح…. فِي النقد الأدبي” ، ويتجلى دور هَذِهِ الأساليب فِي الإقناع بجدوى المنهج البنيوي مِنْ خِلَالِ التعريف بِهِ، وتحديد ماهيته، وجرد خصائصه، وبيان أسسه بأسلوب استدلالي يجعل أطروحة الكاتب مُقنعة متماسك بناؤها، متسقة لغتها .
واعتمد الكاتب تصميمين منهجيين : الجرد، حَيْتُ عرف المنهج البنيوي بتحديد ماهيته وجرد خصائصه، ووصف مرجعياته النظرية، مقارنته مَعَ غيره ، والتعاقب الَّذِي يحترم المسار التاريخي لتطور النظرية البنيوية، بدءا من الإرهاصات الأُوْلَى فِي حضن الدراسات اللغوية، وصولا إِلَى مرحلة التبلور بعد تطوير العدة المفاهيمية وتحويلاتها الإجرائية فِي العلاقة بَيْنَ النظرية والممارسة النقدية.
وتحقيقا للإقناع توسل الكاتب بأنواع من الحجج مِنْهَا : الحُجَّة البرهانية الَّتِي تفيد اليقين كقوله :” لِأَنَّ هَذَا الحقل (الدراسات اللغوية) كَانَ يمثل طليعة الفكر البنيوي”، والحجة الجدلية الَّتِي تقارب اليقين وتلزم المخاطب من مثل قوله : ” فَإِذَا كَانَ موضوع الأدب هُوَ العالم فَإِنَّ موضوع النقد هُوَ الأدب وبذلك لَمْ يعد النقد مجالا لبروز إديولوجيات” ، والحجة الخطابية الَّتِي تفيد الظن الراجح مثل ” النقاد يعميهم كَثِيرًا أن يقعوا فِي هَذِهِ الإديولوجيات نفسها لأنهم حينئذ سَوْفَ يحتكمون فِي قراءة الأدب إِلَى معايير مسبقة فِي أذهانهم فَلَا يستطيعون رؤيته عَلَى حقيقته ” .
6 ـ اللغة والأسلوب :
اعتمد الكاتب لغة نقدية أدبية يغلب عَلَيْهَا الطابع التقريري التعريفي المقترن بأدوات التوكيد لإقناع القارئ؛ لِهَذَا جاء الخطاب متسقا بفعل مجموع الوسائل اللغوية والشكلية، الظاهرة والخفية، مِنْهَا استخدام أشكال من الربط كالربط البياني المثنوي القريب:” يرى العالم ويكتب عَنْهُ” والربط البياني الجمعي القريب: تحاول أن تقبض عَلَيْهَا وتمسك بِهَا وتحلل علاقاتها” والبعيد:” لَمْ ينبثق المنهج البنيوي…… وإنما كَانَت لَهُ إرهاصات…. اختمرت عبر النصف الأول من القرن العشرين…… لعل من أولها مَا نشأ……. فِي حقل الدراسات اللغوية” والإحالة النصية القبلية عَنْ طَرِيقِ الضمائر:” كَانَت لَهُ” وأسماء الموصول :” فلسفة الظاهراتية الَّتِي تتميز” وأسماء الإشارة :” هَذِهِ ” الَّتِي تشير إِلَى الفلسفة الَّتِي سبق ذكرها” . زيادة عَلَى هَذَا تمَّ تحقيق اتساق الفقرات باعتماد التكرار اللفظي مثل : “البنيوية والبنية” والجمالية والشرح والتوضيح ” معنى هَذَا أن نظرية الأدب” ” فِي مقدمة هَذِهِ المصطلحات” ، والأسلوب الخبري المؤكد (وَقَد حاول..-إن أهَمُ..-إن دراسة) ، وصيغ الوجوب (-عَلَى أن ذَلِكَ يقتضي- وَلَا بُدَّ..)، إضافة إِلَى صيغ الشرط (إِذَا كَانَ مصطلح…فَإِنَّهُ ينبغي…) . وغايته من ذَلِكَ إلزام المتلقي بصحة الأطروحة المعبر عَنْهَا. وإقناعه بجدوى المنهج البنيوي وقيمته العلمية فِي دراسة النصوص الأدبية.
التركيب والتقويم :
قصد الكاتب مِنْ خِلَالِ النص إِلَى التعريف بالمنهج البنيوي مِنْ خِلَالِ ماهيته وخصائصه وأسسه، فبين أن الدراسات اللسانية مثلت طليعة الفكر البنيوي، إِذْ حدد البنيويون مجال عملهم ؛ فَإِذَا كَانَ موضوع الأدب هُوَ العالم الَّذِي يحيا فِيهِ الأديب المبدع، فَإِنَّ موضوع النقد هُوَ الأدب وَلَيْسَ مرجعه الخارجي . وشكل هَذَا التحديد منطلقا لِتَحْقِيقِ علمية الأدب وتخليصه من الخلفيات الإديولوجية الَّتِي تعيق الوقوف عَلَى كيفية اشتغال النص الأدبي وتحقيقه للوظائف التعبيرية والجمالية.
وبذلك تتأكد لنا صِّحَة فرضية توقعناها فِي بداية قراءتنا المنهجية ، وَهِيَ أن النص يعالج قضية نشأة المنهج البنيوي وتأصيله، وجرد خصائصه بمقارنته بغيره من المناهج التفسيرية، والأسس العلمية الَّتِي استند عَلَيْهَا، وهدفه من دراسة الأثر الأدبي ..
وتأسيسا عَلَى ذَلِكَ يمكن القول إن البنيوية بوصفها منهجا نقديا حديثا لَهُ ملامحه الواضحة والمتكاملة فِي الفكر الحديث قَد تبلورت فِي حوار مَعَ مناهج سابقة أَوْ معاصرة، وَمَعَ مجموعة من العلوم كاللسانيات والأنثروبولوجيا وعلم النفس، لكنها (البنيوية)ظلت أداة للنظر والتحليل وَلَمْ تتحول إِلَى علم أَوْ نظرية قائمة الذات.
وَمَعَ ذَلِكَ تعرضت بدورها للنقد من قبل النقد الإديولوجي التفسيري (النفسي ووالاجتماعي..)، و من أصحاب نظرية التلقي.
فَهَذَا فاضل ثامر يقول عَنْ البنيوية أَنَّهَا تبلورت من حوار مَعَ مجموعة من العلوم كاللسانيات والأنثروبولوجيا و .. لكنها ظلت مجرد أداة للنظر والتناول والتحليل، وَلَمْ تتحول إِلَى نظرية أَوْ علم أَوْ فلسفة أَوْ إبستسمولوجيا . والواقع أن هَذَا الرأي يتقاطع مَعَ رأي الدكتور صلاح فضل فِي الإشارة إِلَى البعد الوصفي والتحليلي للمنهج البنيوي واستناده إِلَى المرجعية العلمية واللسانية، ويختلف مَعَهُ فِي التأكيد حقيقة ابستيمولوجية، وَهِيَ صعوبة تحول المنهج إِلَى نظرية أوعلم ..
ذ محمد الدواس
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي men-gov.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير men-gov.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا
À propos du site
Chaque année, notre plateforme profite à plus de 25 millions de visiteurs de tous âges.
Sur men-gov.com, nous avons pris en charge 4 principes:
Qualité et exactitude du contenu publié sur le site
Navigation fluide du site et bonne organisation afin d’obtenir des informations sans prendre la peine de chercher
Mise à jour continue du contenu publié et se tenir au courant des nouveaux développements du système éducatif
Ajout de fonctionnalités et de services éducatifs renouvelables
Depuis 3 ans, nous avons fourni plus de 50 000 articles et plus de 00 000 fichiers pour un développement permanent de notre plateforme qui correspond à vos aspirations, et le suivant est plus beau, si Dieu le veut.
⇐ Plateforme développée par DesertiGO et maintenue par men-gov.com
⇐ Vous pouvez nous suivre sur les réseaux sociaux pour recevoir nos actualités: cliquez ici multi-positivisite