دروس الفلسفة للسنة الثانية باك: مجزوءة السياسة
تَقْدِيم عام للمجزوءة
يعيش الناس ضمن مجتمعات، وَهُوَ مَا يطرح مسألة تنظيم وجودهم فِي مجال خاص يوفق بَيْنَ أفعالهم، بِحَيْثُ تصبح صادرة عَنْ الجماعة. ويعتبر هَذَا المجال سياسيا بالمعنى الواسع لكلمة السياسة. إِذْ يفترض هَذَا المجال الحفاظ عَلَى الأمن دَاخِل المجتمع الَّذِي يخلق لِهَذَا الغرض تنظيمات ومؤسسات تعمل عَلَى توزيع السلطة فِي الوقت الَّذِي تؤسس فِيهِ مشروعيتها كذلك. لَقَدْ تطورت هَذِهِ الأشكال التنظيمية وأفضت إِلَى ظهور جهاز الدولة
لكن بالرغم من كل أشكال التنظيم الَّتِي أفرزها المجتمع البشري، فقد عرف هَذَا المجتمع خِلَالَ تاريخه صدام الإرادات وصراع القوى، سَوَاء كَانَت أفرادا أَوْ جماعات. فسعي الإرادة نَحْوَ هدفها وإصرارها عَلَى تحقيقه، يجعلها إما تلتجئ إِلَى العنف المادي، وإما إِلَى الإقناع، وَهُوَ صراع رمزي فِي عمقه
لَقَدْ سعت السياسة إِلَى ترجمة الحق والعدالة، كمُثُل عليا، عَلَى أرض الواقع. الحق باعتباره مجموعة الحريات الَّتِي ينبغي للفرد التمتع بِهَا. والعدالة كتجسيد لمبدأ المساواة والإنصاف، بِمَا يَعْنِي من معاقبة للمعتدي، وتعويض للمتضرر. إن كل هَذِهِ القضايا المرتبطة بالمجال السياسي يمكن معالجتها مِنْ خِلَالِ طرح الأسئلة الفلسفية التالية
مَا هِيَ الدولة؟
مَا هِيَ أنواع ممارسات العنف؟
كَيْفَ تجسد السياسة مبدأي الحق والعدالة؟
مفهوم الدولة
الطرح الإشكالي
إن انتقال الإنسان من مرحلة الطبيعة والتوحش والهمجية، إِلَى مرحلة المجتمع والتحضر وإنتاج الثقافة، دفع الأفراد إِلَى إيجاد جهاز يدبر هَذَا التعايش بينهم ويضمن استمراره. هَذَا الجهاز هُوَ الدولة. وَهُوَ جهاز أثار حوله عدة نقاشات فلسفية تمحورت حول تعدد وتنوع الغايات الني من أجلها وجد هَذَا الجهاز، وَالَّتِي أعطته مشروعية التواجد. إضافة إِلَى تنوع طبيعة السياسة الَّتِي تمارسها الدولة وَالَّتِي قَد تتخذ شكل حرب وقتال، كَمَا قَد تتخذ شكل توافق واعتدال. وأخيرا المفارقة الَّتِي تميز العلاقة بَيْنَ غاية الدولة الَّتِي تَتَمَثَلُ فِي تجسيد قيمة الحق، ووسيلة هَذَا التجسيد الَّتِي تتخذ شكلا عنيفا. وهذا مَا طرح علينا معالجة الأسئلة الموالية
لِمَاذَا ظهرت الدولة؟ وَمِنْ أَيْنَ تستمد مشروعيتها؟
مَا هِيَ المظاهر الَّتِي تتخذها ممارسة السلطة السياسية؟
هل الدولة جهاز لتجسيد الحق أم العنف؟
أولا: مشروعية الدولة وغاياتها
أ- غاية الدولة: الحرية والأمن
إن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة – فِي نظر باروخ اسبينوزا – بَلْ إتاحة الفرصة لأجسام الأفراد وعقولهم بِأَنَّ تقوم بوظائفها كاملة فِي أمان تام ودون خوف. بِحَيْثُ يتسنى لَهُمْ أن يستخدموا عقولهم استخداما حرا. لِأَنَّ الحق الوحيد الَّذِي تخلى عَنْهُ الفرد هُوَ حقه فِي أن يفعل مَا يشاء، وَلَيْسَ حقه فِي التفكير والتعبير، أي أن يحتفظ قدر المستطاع بحقه الطبيعي فِي الحياة، وَفِي العمل دون إلحاق الضرر بالغير
إذن فالغاية الحقيقية من قيام الدولة – حَسَبَ اسبينوزا – هِيَ حرية التفكير، وضمان الأمن للأفراد، وَمِنْ يسلك ضد مشيئة السلطة العُلْيَا يلحق الضرر بالدولة
ب- الدولة تحقق للروح المطلقة
إن الدولة – فِي نظر فريديريك هيغل – هِيَ التحقق الفعلي للروح المطلقة، وَهِيَ فكرة عقلانية موضوعية وكونية ذات طابع أخلاقي. كَمَا أَنَّهَا تمثل إرادة جوهرية متجلية، وبينة لذاتها، تعرف ذاتها وتفكر فِيهَا. إن الدولة بوصفها تحققا للإرادة الجوهرية، هِيَ غاية فِي ذاتها، لَا يتوقف دورها ووظيفتها عَلَى الحماية والأمن، وَلَا يختزل فِي فرض السيادة والإخضاع، بَلْ يمتد – فِي نظر هيغل – إِلَى نشر القيم الروحية والأخلاقية، والمبادئ العقلية الكونية، وَهِيَ قيم ومبادئ أساسية بِالنِسْبَةِ للمجتمع حَتَّى يتمكن الإنسان من الاعتراف بإنسانيته
ثانيا: طبيعة السلطة السياسية
أ- السياسة صراع
ينبغي عَلَى الأمير – حَسَبَ نيقولاي ماكيافيلي – أن يستخدم كل الوسائل المتاحة للحفاظ عَلَى السلطة، وَذَلِكَ بالاعتماد عَلَى القوانين إن كَانَت كافية، وَعَلَى القوة إن اضطر إِلَى ذَلِكَ. أن يكون مستقيما فِي سلوكه، حافظا لعهده، أمينا فِي أعماله، إن حافظ ذَلِكَ عَلَى ملكه. وَأَن لَا يفي بوعد سيضيع مصلحته. وَأَن يلتجئ إِلَى المكر والخداع والتمويه للبقاء عَلَى سلطته. مَعَ القدرة عَلَى إخفاء هَذِهِ الصفات عَلَى الناس البسطاء، لِأَنَّ من يمارس الخداع سيجد دائما بَيْنَ الناس من يقبل إن ينخدع بسهولة
يَجِبُ عَلَى الأمير – فِي نظر ماكيافيلي – أن يستخدم كل الوسائل الممكنة للحفاظ عَلَى السلطة، سَوَاء كَانَت مشروعة أم غير مشروعة
ب- السياسة اعتدال
إن حُسْنَ المُلك لَدَى السلطان – فِي نظر عبد الرحمن بن خلدون – يعود إِلَى الاعتدال. فَإِنَّ كَانَ السلطان قاهرا باطشا بالعقوبات شمل الرعية الخوف والذل، والتجئوا إِلَى الكذب والمكر والخديعة. وإن كَانَ رفيقا بِهِمْ متجاوزا عَنْ سيئاتهم اسْتَناموا إِلَيْهِ ولاذوا بِهِ. إن الذكاء عيب فِي صاحب السياسة، لأنه إفراط فِي الفكر، يكلف الرعية فَوْقَ طاقتهم لَنُْفوذ نظره، كَمَا أن البلادة إفراط فِي الجمود، والطرفان مذمومان من كل صفة إنسانية. والمحمود – حَسَبَ ابن خلدون – هُوَ التوسط، كَمَا فِي الكرم مَعَ التبذير والبخل
ثالثا: الدولة بَيْنَ العنف والحق
أ- العنف المادي المشروع
تقوم كل دولة – حَسَبَ ماكس فيبر – عَلَى العنف المادي باعتباره الوسيلة الناجعة لممارسة السلطة، وهكذا فالدولة المعاصرة هِيَ تجمع بشري يُطَالِبُ، فِي حدود مجال ترابي معين بحقه فِي احتكار استخدام العنف المادي المشروع، وَذَلِكَ لفائدته. إن مَا يميز عصرنا، هُوَ أَنَّهُ لَا توجد جماعة سياسية، وَلَا يوجد فرد، يكون من حقهما استخدام العنف، إلَّا شريطة موافقة الدولة عَلَى ذَلِكَ.
وهكذا تعتبر الدولة – فِي نظر فيبر – هِيَ المصدر الوحيد «للحق» فِي ممارسة العنف المادي
ب- دولة الحق والقانون
إن دولة الحق والقانون تؤدي إِلَى ممارسة معقلنة للسلطة – فِي نظر جاكلين روس – وَهِيَ دولة تتخذ ثلاث ملامح وَهِيَ
الحق: الَّذِي يتمثل فِي احترام الحريات الفردية والجماعية الَّتِي تتمسك بالكرامة الإنسانية ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف
القانون: أي أن الكل يخضع لقانون وضعي تابع للمبدأ الأخلاقي، مَعَ إمكانية حمايته من لدن قاض
فصل السّلط: (السلطة التنفيذية، التشريعية، القضائية)، وَهِيَ الآلية الَّتِي تحمي الدولة من السقوط فِي يد الاستبداد
إن دولة الحق والقانون ليست صيغة جامدة، وإنما هِيَ – حَسَبَ روس – عملية بناء وإبداع دائم للحرية
استنتاجات عامة
لَقَدْ أوجد المجتمع جهاز الدولة استجابة لمجموعة من الحاجيات، وتحقيقا للكثير من الغايات وَعَلَى رأسها: الحفاظ عَلَى الأمن، وضمان ممارسة الحريات الفردية والجماعية، والتصدي للأخطار الخارجية، ومعاقبة التجاوزات فِي الداخل، وكَذَلِكَ السهر عَلَى تربية وتكوين المواطن مِنْ خِلَالِ تعليم المبادئ العقلية، ونشر القيم الأخلاقية. وَمِنْ هَذِهِ الأهداف والغايات تستمد الدولة مشروعيتها
إن طبيعة ممارسة السلطة السياسية، متعددة ومتنوعة، فقد تتخذ شكل قتال وصراع إِذَا كَانَت طبيعة الحكم استبدادية تتميز بالانفراد فِي اتخاذ القرار. كَمَا يمكن أن تتخذ شكل توافق واعتدال فِي إِطَارِ الممارسة الديمقراطية الَّتِي تشرك الجميع فِي التقرير والتسيير
تتخذ الدولة المعاصرة وجهان يبدوان متناقضان، ولكنهما متكاملان فِي نفس الآن. فمن جهة تعتبر هِيَ الضامن الأساسي للحق متمثلا فِي الحريات، وتطبيق مبدأ العدل والمساواة، وَمِنْ جهة ثانية تستعمل العنف المادي المشروع لِضَمَانِ ممارسة هَذِهِ الحريات، والسهر عَلَى احترام القانون.لكن إِذَا كَانَت الشرعية صفة أخلاقية، فمتى كَانَت للعنف هَذِهِ شرعية؟
مفهوم العنف
الطرح الإشكالي
إن كَانَت مظاهر العنف تبدو لنا واضحة وجلية فِي جرائم القتل، الحروب، الإبادة العرقية، الإرهاب، العدوان… مِنْ خِلَالِ الصورة وتقنيات التواصل والإعلام، فما إن يبدأ المرء فِي التفكير والتأمل فِي طبيعة السلوكات العنيفة، حَتَّى يكتنف هَذَا الموضوع التعقد والغموض، من حَيْتُ تعدد وتنوع أشكال هَذَا العنف، من عنف مادي ملموس، إِلَى عنف آخر رمزي غير ظاهر. إضافة إِلَى الدور الَّذِي لعبه فِي التَارِيخ وتجليات هَذَا الدور. وأخيرا العلاقة المضطربة الَّتِي تربطه بمسألة المشروعية. وَهُوَ مَا يمكن التعبير عَنْهُ مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الأسئلة
مَا هِيَ أشكال العنف إذن؟
كَيْفَ يعمل العنف عَلَى رسم مسارات التَارِيخ الإنساني؟
هل العنف فعل مشروع؟ أم أَنَّهُ يفتقد لأي مشروعية؟
أولا: أشكال العنف
أ– العنف المادي
إن الحرب كأعلى شكل من أشكال العنف المادي – فِي نظر كارل فون كلوزفيش – هِيَ مجموعة من المعارك تَتَكَوَّنُ مِنْ عَدَدِ لَا محدود من الاقتتال الفردي الَّذِي اتسع لكي يشكل الحرب. إن كل واحد، أثناء الصراع، يحاول بِوَاسِطَةِ القوة الجسمانية، أن يسقط الآخر ويحطم مقاومته. فالحرب فعل من أفعال القوة، نحاول بِوَاسِطَتِهِ إرغام الخصم عَلَى الخضوع لإرادتنا، ولأجل أن تتغلب قوة عَلَى قوة، فَإِنَّها تستعمل كل مَا توفره لَهَا العلوم والصناعات من وسائل
إن القوة الجسمية هِيَ مجرد وسيلة، أَمَّا غاية العنف – كَمَا يرى كلوزفيش – فَهِيَّ إرغام الخصم عَلَى الخضوع
ب– العنف الرمزي
يقصد بالعنف الرمزي كل أشكال العنف غير الفيزيائي، فِي نظر بيير بورديو، أي أشكال العنف القائمة عَلَى إلحاق الأذى عبر الكلام أَوْ اللغة أَوْ التربية أَوْ العنف الذهني. وَهُوَ درجات، حَيْتُ يقوم معظمه عَلَى تكييف رد فعل المتلقي ليتقبل العنف اللطيف، بَلْ ويعتبره أمرا عاديا، والمثال الأوضح للعنف الرمزي هُوَ الإيديولوجيا والأفكار المتداولة، فانطلاقا من كوننا نولد فِي عالم اجتماعي، فإننا نتقبل عَدَدًا من البديهيات والمسلمات الَّتِي تفرض نفسها علينا بتلقائية وسهولة و لَا تكاد تتطلب تلقينا
هَكَذَا يمكن أن يحقق العنف الرمزي – حَسَبَ بورديو – نتائج أحسن مِمَّا يحقق العنف المادي
ثانيا: العنف فِي التَارِيخ
أ– الصراع كمحرك للتاريخ
لَمْ يكن تَارِيخ أي مجتمع، إِلَى يومنا هَذَا، فِي تصور كارل ماركس، إلَّا تَارِيخ الصراع بَيْنَ الطبقات: الأحرار والعبيد، الإقطاعيون والأقنان… وبعبارة أُخْرَى المضطهِدون والمضطهَدون، اللَّذِينَ كانوا دوما فِي حالة تعارض ومواجهة دائمة، قَامَتْ بينهم حروبا لَا تتوقف، معلَنة أحيانا، وخفية أحيانا أُخْرَى، حروبا كَانَت تنتهي دوما إما بتغيير جذري للمجتمع برمته، أَوْ بتحطيم الطبقتين المتصارعتين مَعًا
إن المجتمع البورجوازي الحديث، لَمْ يقض عَلَى الصراع بَيْنَ الطبقات حَسَبَ ماركس، وإنما أحل طبقات جديدة وَهِيَ البورجوازية والبروليتاريا، كَمَا أحل ظروفا جديدة للاضطهاد، وأشكالا جديدة من الصراع
ب– العنف الاقتصادي
يلعب العنف دورا بارزا فِي التَارِيخ، حَسَبَ فريديريك إنجلس، وَذَلِكَ فِي ارتباط بالتطور الاقتصادي. فيمكن للعنف السياسي أن يعمل لأجل التطور الاقتصادي فترتفع سرعته. كَمَا يمكن أن يعمل ضد هَذَا التطور، وَفِي هَذِهِ الحالة فَإِنَّهُ يستسلم تدريجيا للتطور الاقتصادي، مَعَ بعض الاستثناءات، فَفِي هَذِهِ الحالات ينتهي فِيهَا الصراع إِلَى قلب النظام
إن كل عنف سياسي – فِي نظر إنجلس – يقوم أصلا عَلَى وظيفة اقتصادية ذات طبيعة اجتماعية
ثالثا: العنف والمشروعية
أ– العنف المشروع
يمثل العنف مشكلة للفلسفة، بِالنِسْبَةِ لإريك فايل، أَمَّا الفلسفة فَهِيَّ لَا تمثل أي مشكلة للعنف الَّذِي يزيح الفيلسوف عَنْ طريقه كلما وجده يعوق مسيرته الخالية مِنْ أَيِّ اتجاه. إن العنف ليس لَهُ معنى إلَّا بِالنِسْبَةِ إِلَى الفلسفة، الَّتِي هِيَ رفض للعنف، وَإِذَا كَانَ من السهل أن نجد فلسفة تأمر باستعمال العنف، لأنها تبينت أن عَلَيْهَا أن تحارب العنف. لكن هَذَا العنف الَّذِي تدعو إِلَيْهِ ليس سوى وسيلة ضرورية لخلق حالة اللاعنف، حَسَبَ فايل، وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ العقل وفكرة التماسك
ب– لَا مشروعية للعنف
إن السمة الأساسية للعنف – فِي نظر غاندي – هِيَ أَنَّهُ يَجِبُ أن تكون وراء الفكر والكلام والفعل، نية عنيفة، أي رغبة فِي إلحاق الأذى والألم بِذَلِكَ الَّذِي يعتبر خصما، أَمَّا اللاعنف، فهو الغياب التام للإرادة السيئة، بَلْ هُوَ إرادة طيبة تجاه كل مَا يحيا، إِنَّهُ حب متكامل. إن اللاعنف ليس تخليا عَنْ كل صراع حقيقي ضد الشر، بَلْ هُوَ مناهض للشر بكفاح وصراع فعال يتجاوز حدود القصاص، إِلَى معارضة ذهنية وأخلاقية. وهكذا فالعنف – حَسَبَ غاندي – لَا مشروعية لَهُ
استنتاجات عامة
يمكن تقسيم الحيوانات عَلَى مُسْتَوَى التغذية إِلَى حيوانات عاشبة وَهِيَ مسالمة بطبعها، وحيوانات لاحمة وَهِيَ حيوانات عدوانية، لأنها لَا تستطيع إن تضمن بقاءها إلَّا عَلَى أساس الصيد وقتل الكائنات الأخرى. وما دام الإنسان مزدوج الطبيعة: عاشب ولاحم فِي الآن نفسه، فَإِنَّ الجانب اللاحم فِيهِ يجعله كائنا عنيفا بالطبيعة
إن العنف يمارس عَلَى مستويين
العنف المادي الملموس: وَالَّذِي يتمظهر فِي العنف الجسدي، والعنف السياسي كالانتفاضات والثورات… والعنف الاجتماعي كالعنف ضد المرأة، والعنف الاقتصادي كالاستغلال…
العنف المعنوي الرمزي: وَالَّذِي يَتَجَلَّى فِي العنف اللغوي كالسب والشتم، والعنف التربوي مجسدا فِي بَعْضِ مظاهر العادات والتقاليد، وبعض المقررات الدراسية
إن العنف لَا مشروعية لَهُ حَتَّى وإن استعمل لصالح قضايا عادلة، أَوْ للقضاء عَلَى العنف ذاته، لِأَنَّ العنف لَا يمكن أن يولّد إلَّا العنف. إن العنف لَا يمكن أن يحارب إلَّا بنقيضه وَهُوَ اللاعنف
مفهومي الحق والعدالة
الطرح الإشكالي
عَلَى أنقاض مفهوم الحق الإلهي الَّذِي ساد بأوربا فِي القرون الوسطى- وَهُوَ حق يستمد مشروعيتها من النصوص الدينية المقدسة- بنى فلاسفة الأنوار مفهوم الحق عَلَى أساس بشري، مصدره الإنسان. إلَّا أَنَّهُمْ اختلفوا حول أساس هَذَا الحق. فبينما ذهب البعض مِنْهُمْ إِلَى الأساس الطبيعي الَّذِي يرتكز عَلَى القوة الجسمية، ذهب البعض الآخر إِلَى الأساس الثقافي المبني عَلَى التعاقد والاتفاق. إضافة إِلَى علاقة الحق بالحرية من جهة، وبالعدالة من جهة ثانية. هَذِهِ العدالة الَّتِي تكون منصفة عِنْدَمَا تلتزم بمبدأ المساواة، لكنها تكون منصفة كذلك حين تراعي التمايزات (اللامساواة) بَيْنَ الأشخاص. وهذا يستدعي طرح الأسئلة التالية
هل الحق ينبني عَلَى أساس طبيعي أم وضعي؟
هل الحق تجسيد للحرية أم للعدل؟
هل العدالة تتحقق عِنْدَمَا تراعي مبدأ المساواة أم اللامساواة؟
أولا: الحق بَيْنَ الطبيعي والوضعي
أ- الحق الطبيعي
إن الحق الطبيعي – فِي نظر توماس هوبس – هُوَ أن لِكُلِّ فرد، فِي حالة الطبيعة، الحق فِي كل شيء، بَلْ وَحَتَّى حق البعض فِي أجساد البعض الآخر، فَلَا يوجد شيء لَا يمكن استخدامه ضد الأعداء، مادام يساعد عَلَى الحفاظ عَلَى الحياة. وهكذا فالحالة الطبيعية هِيَ حالة حرب الكل ضد الكل. مِمَّا سيدفع بالإنسان إِلَى الانتقال لحالة المجتمع المدني للبحث عَنْ السلم والطمأنينة، حَيْتُ يسود الحق الوضعي، وَهُوَ أن نقبل عِنْدَمَا يقبل الآخرون أيضًا التخلي عَنْ حق التصرف فِي كل شيء، بِمَا يسمح بالسلم والحفاظ عَلَى الذات، وَأَن نكتفي بنفس القدر من الحرية الَّذِي يكتفي بِهِ الآخرون
ب- الحق الوضعي
إن انتقال الإنسان من حالة الطبيعة إِلَى حالة المدنية، قَد أحدث فِي الإنسان تغيرا كَبِيرًا – فِي نظر ج. ج. روسو – فبعد أن كَانَ يخضع فِي حالة الطبيعة لغرائزه الجسمانية والفطرية، وينجرف وراء الشهوة، نمت قواه العقلية، فِي حالة المدنية، واتسعت أفكاره، ونبلت عواطفه، حَيْتُ جعلت مِنْهُ كائنا ذكيا. وهكذا عوض الحق الطبيعي ظهر لديه العقد الاجتماعي الَّذِي يتميز بالحرية المدنية الَّتِي تحدها الإرادة العامة، وَهِيَ حرية تعطيه الحق فِي ملكية جميع مَا يقتنيه، وهكذا يخضع الإنسان لقانون نابع من تواضع جماعي
فالطاعة للقانون الَّذِي فرضناه عَلَى أنفسنا هِيَ «حرية»، فِي نظر روسو
ثانيا: العدالة باعتبارها حقا
أ- الحق والديمقراطية
إن الغاية الَّتِي ترمي إِلَيْهَا الديمقراطية – فِي نظر باروخ اسبينوزا – هِيَ أن يعيش الناس فِي وئام وسلام قدر الإمكان فِي حدود العقل. والقانون المدني هُوَ الَّذِي يضمن حق الفرد فِي المحافظة عَلَى حالته، كَمَا حددتها وضمنتها لَهُ مراسيم السلطة العُلْيَا (الدولة). إن الحق كعدالة هُوَ استعداد دائم للفرد لِأَنَّ يعطي كل ذِي حق مَا يستحقه طبقا للقانون المدني، وتسمى العدالة كذلك بالإنصاف، لِأَنَّ من واجب القضاة، ألا يفرقوا بَيْنَ الأشخاص، بَلْ أن ينظروا إِلَيْهِمْ عَلَى قدم المساواة، ويحافظوا بقدر متساو عَلَى حق كل مِنْهُمْ، حَسَبَ اسبينوزا
ب- الحق والمساواة
إن الحق – فِي نظر ألان – هُوَ المساواة. فبمجرد مَا يفتقر عقد مَا للتساوي، نشكك فِي صلاحيته، وَفِي كونه يراعي حقوق كل الأطراف. فَفِي حالات البيع والشراء مثلا، لَنْ يعتقد أحد أن السعر الَّذِي تمَّ تحديده، بعد المساومة، وباتفاق مشترك بَيْنَ البائع والمشتري، هُوَ سعر عادل فِي حالة مَا إِذَا كَانَ البائع مخمورا، والمشتري واعيا، أَوْ إِذَا كَانَ البائع جاهلا بِقِيمَة سلعة مَا يبيعه (كتابا نادرا، أَوْ لوحة رسام مشهور…)، فِي حين أن المشتري عَلَى علم بِقِيمَة تِلْكَ السلعة..لأنه لَمْ يكن هُنَاكَ تساو وتكافؤ بَيْنَ الطرفين
إن الحق ضد اللامساواة، والقوانين العادلة هِيَ الَّتِي يكون الجميع أمامها سواسية، سَوَاء كانوا رجالا أَوْ نساء أَوْ أطفالا، أَوْ مرضى أَوْ جهّإلَّا
ثالثا: العدالة بَيْنَ الإنصاف والمساواة
أ- العدالة كتجسيد للمساواة
إن العدالة – فِي نظر أرسطو – تعني المساواة. وَهِيَ بِذَلِكَ تسمى إنصافا، وهكذا نكون أَمَامَ نوعين من العدالة
عدالة توزيعية: وتعني توزيع خيرات، وثروات المجتمع عَلَى أفراده حَسَبَ طاقاتهم وأعمالهم
عدالة تعويضية: وتتمثل فِي تنظيم المعاملات بَيْنَ أفراد المجتمع عَلَى أساس الأعراف والقوانين. وهدفها هُوَ تصحيح السلوك الخارج عما تحدده القوانين. فَهِيَّ عدالة تعاقب المجرم، وتعوض أولئك اللَّذِينَ يذهبون ضحايا تَطْبِيق القانون
ب- الإنصاف واللامساواة
إن مطلب المساواة المطلقة – حَسَبَ ماكس شيلر – هُوَ مطلب الضعفاء والفاشلين، صادر عَنْ رغبتهم فِي إنزال العظماء والناجحين إِلَى مُسْتَوَى الأشخاص العاديين، أَوْ اللَّذِينَ هم فِي أسفل درجات السلم. فما من أحد ينشد المساواة، حينما يشعر بأنه يمتلك قوة أَوْ نعمة تتيح لَهُ أن يتفوق عَلَى الآخرين. أَمَّا الَّذِي يخشى الخسارة فهو وحده ينشد العدالة والمساواة العامة
إن مطلب المساواة المطلقة – فِي نظر شيلر – يصدر بالتأكيد عَنْ شعور بالكراهية والحقد، وَالبِتَّالِي فَإِنَّهُ مطلب جائر
استنتاجات عامة
إن حالة الطبيعة، ليست فرضية علمية الغاية من ورائها تحديد مراحل تَارِيخ البشرية. إِنَّهَا فرضية متخيلة ذات طابع سياسي، سعى مِنْ خِلَالِهَا فلاسفة الأنوار إما إِلَى تكريس الوضع السياسي القائم فِي أيامهم، أَوْ تغييره والدعوة إِلَى التمرد عَلَيْهِ
إن العدالة لَا تتنافى وبروز أشكال مختلفة من التفاوتات الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية… بَلْ إن العدالة المنصفة هِيَ الَّتِي تراعي اختلافات الناس وتمايز طباعهم، وقدراتهم، واستعداداتهم، ومؤهلاتهم. فالناس يتفاوتون فِيمَا بينهم تفاوتا إيجابيا وخلاقا
إن المساواة ليست دائما تجسيدا للعدالة، إن المساواة قَد تتحول إِلَى ظلم وجور فِي حق بعض الفئات كالمرأة، والطفل، وذوي الاحتياجات الخَاصَّة… لذا ينبغي تبني مفهوم التمييز الإيجابي
استنتاجات حول مجزوءة السياسة
إن السياسة هِيَ مجال ممارسة السلطة والسلطة المضادة. السلطة ممثلة فِي الدولة (السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، والسلطة القضائية). والسلطة المضادة مجسدة فِي السلطة الرَّابِعَة (الصحافة)، وسلطة المجتمع المدني: الجمعيات، المنظمات، النقابات، أحزاب المعارضة
تكون السياسة غير مشروعة
عَلَى مُسْتَوَى الدولة: عِنْدَمَا تمارس التسلط، والاستبداد، والقمع، والشطط فِي استعمال السلطة عَلَى مُسْتَوَى العنف: عِنْدَمَا يَعْتَمِدُ عَلَى القوة، فهو سلوك مدمر، غريزي وأصلي فِي الإنسان، غايته الظلم عَلَى مُسْتَوَى الحق والعدالة: حين تغيب الحريات الفردية والجماعية، ويخضع الأفراد للتمييز عَلَى أساس عرقي، أَوْ جنسي، أَوْ ديني… أَوْ عِنْدَمَا تسن قوانين جائرة
تكون السياسة مشروعة
عَلَى مُسْتَوَى الدولة: عِنْدَمَا تتأسس عَلَى علاقات تعاقدية، وَعَلَى وعي بالحقوق والواجبات بَيْنَ إرادات حرة عَلَى مُسْتَوَى العنف: عِنْدَمَا يكون فِي إِطَارِ القوانين المشروعة غايته الحفاظ عَلَى النظام، أَوْ عِنْدَمَا يصدر عَنْ العقل باعتباره خطابا برهانيا متماسكا عَلَى مُسْتَوَى مفهومي الحق والعدالة: باعتبارهما المفهومان المؤسسان لِكُلِّ خطاب حول المشروعية، سَوَاء كَانَت خطابا نظريا أَوْ ممارسة قانونية تطبيقية
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي men-gov.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير men-gov.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا
À propos du site
Chaque année, notre plateforme profite à plus de 25 millions de visiteurs de tous âges.
Sur men-gov.com, nous avons pris en charge 4 principes:
Qualité et exactitude du contenu publié sur le site
Navigation fluide du site et bonne organisation afin d’obtenir des informations sans prendre la peine de chercher
Mise à jour continue du contenu publié et se tenir au courant des nouveaux développements du système éducatif
Ajout de fonctionnalités et de services éducatifs renouvelables
Depuis 3 ans, nous avons fourni plus de 50 000 articles et plus de 00 000 fichiers pour un développement permanent de notre plateforme qui correspond à vos aspirations, et le suivant est plus beau, si Dieu le veut.
⇐ Plateforme développée par DesertiGO et maintenue par men-gov.com
⇐ Vous pouvez nous suivre sur les réseaux sociaux pour recevoir nos actualités: cliquez ici multi-positivisite