ضد أيديولوجية الكفايات، يجب أن تُعلِّم المدرسة التلاميذ التفكير

ضد أيديولوجية الكفايات، يَجِبُ أن تُعلِّم المدرسة التلاميذ التفكير


حوار متقاطع مَعَ فيليب ميريو (Philippe Meirieu)، المربي والباحث، ومارسيل غوشيه (Marcel Gauchet)، المؤرخ والفيلسوف.
ترجمة: يوسف سليم
بقلم نيكولاس ترونج (Nicolas Truong). نشر الحِوَار يوم 02 أيلول (سبتمبر)2011.
“فِي الماضي، كَانَت الأسرة “تصنع الأطفال”، أَمَّا اليوم فالطفل هو الَّذِي يصنع الأسرة. فبقدومه إِلَى الحياة مِنْ أَجْلِ إشباع رغبتنا كآباء، يكون الطفل قَد غيّر مكانته وأصبح لنا سيدا”
س: إِلَى أي حد يقوض تطور المجتمعات الحالية فرص تنفيذ المشروع التربوي؟
– مارسيل غوشيه: نحن نعاني من خطأ فِي التشخيص: نطلب من المدرسة أن تحل بالوسائل التربوية مشكلات حضارية ناتجة عَنْ حركية مجتمعاتنا ذاتها، ونتفاجأ بأنها لم تنجح… مَا هِيَ هَذِهِ التحولات الجماعية الَّتِي تطرح اليوم تحديات جديدة تماما عَلَى العمل التربوي؟ إِنَّهَا تتعلق بأربع جبهات عَلَى الأقل: العلاقة بَيْنَ الأسرة والمدرسة، ومعنى المعرفة المَدْرَسِية، ووضع السلطة، ومكانة المدرسة فِي المجتمع.
بداهة، الأسرة والمدرسة لَهُمَا نفس الهدف من تربية الأطفال: فالأسرة تربي، والمدرسة تعلم، كَمَا قيل فِي الماضي. لكن من الناحية العملية، أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا.
اليوم، تميل الأسرة إِلَى التنصل من واجبها حيال المدرسة الَّتِي من المفترض أن تقوم بالتربية وَالتَعْلِيم فِي آن معا. كَانَت الأسرة فِي الماضي ركيزة المجتمع، لكن اليوم تمت خصخصتها، وَهِيَ الآن تقوم عَلَى العلاقة الشخصية والوجدانية بَيْنَ الأشخاص لمصلحتهم الحميمة الحصرية. وَيَصْعُبُ دمج المهمة التربوية فِي هَذَا الإطار الَّذِي يهدف إِلَى الإشباع العاطفي للأفراد.
– فيليب ميريو: لأول مرة فِي التَارِيخ، نعيش فِي مجتمع حَيْتُ الغالبية العظمى من الأطفال اللَّذِينَ يولدون هم أطفال مرغوب فيهم. يؤدي هَذَا إِلَى انقلاب جذري: فِي الماضي، كَانَت الأسرة “تصنع الأطفال”، أَمَّا اليوم فالطفل هو الَّذِي يصنع الأسرة. فبقدومه إِلَى الحياة مِنْ أَجْلِ إشباع رغبتنا كآباء، يكون الطفل قَد غيّر مكانته وأصبح سيدا لنا: لَا يمكن أن نرفض لَهُ طلبا، مخافة أن نصبح “آباء سيئين” …
هَذِهِ الظاهرة أقحمتها ليبرالية السوق فِي مجتمعاتنا: فالمجتمع الاستهلاكي، فِي الواقع، يضع تحت تصرفنا مَا لَا نهاية من الأدوات الَّتِي مَا علينا إلَّا شراءها لإرضاء أهواء أبنائنا.
هَذَا الاقتران بَيْنَ الظاهرة الديموغرافية وظهور النزوة المعولمة، فِي اقتصاد يجعل الدافع للشراء قالبَ السلوك البشري، يقوض التشكيلات التقليدية للنظام المدرسي.
س: إِلَى أي مَدَى قلب هَذَا المعطى الجديد المواجهة التربوية بَيْنَ المعلم والتلميذ؟
– فيليب ميريو: بعد أن دَرَّسْتٌ مؤخرا المُسْتَوَى الخامس ابتدائي (CM2) بعد انقطاع دام عدة سنوات، لم أفاجأ كثيرًا من الانخفاض فِي المُسْتَوَى مثلما فوجئت بالصعوبة الفائقة لاحتواء فصل دراسي يشبه طنجرة ضغط.
بِشَكْل عام، التلاميذ ليسوا عنيفين أَوْ عدوانيين، لكنهم دائبو الحركة وَلَا يلزمون أماكنهم. يَجِبُ عَلَى المعلم أن يقضي وقته فِي محاولة بناء أَوْ استعادة إطار للبناء. وغالبًا مَا يحصر فِي ممارسة “بيداغوجيا النادل”، حَيْتُ يركض من مقعد إِلَى آخر ليكرر بِشَكْل فردي تعليمة قدمت مَعَ ذَلِكَ بِشَكْل جماعي، ولتهدئة البعض، وَإِعَادَةِ الآخرين إِلَى العمل، فتمتصه طلبات دائمة لمحاورة فردية، ويستنفد نفسه لخفض التوتر سعيا للحصول عَلَى الانتباه. فَفِي عالم الزابينغ والتواصل” المتزامن”، مَعَ الإفراط المستمر فِي الآثار الَّتِي تتوسل رد الفعل الفوري، يصبح من الصعب عَلَى نَحْوَ متزايد ” فعل التدريس”. العديد من الزملاء “يصطدمون” بِشَكْل يومي باستحالة تنفيذ مَا حدده غابرييل مدينييه (Gabriel Madinier ) عَلَى أَنَّهُ التعبير ذاته عَنْ الذكاء: ” عكس التشتت”.
س: بِمَا أن بعض الآباء لم يعودوا يربون أطفالهم مِنْ أَجْلِ المجتمع، وَلَكِن مِنْ أَجْلِ نمائهم الشخصي، ألا يَجِبُ أن نأسف لِأَنَّ الثقافة لم تعد قيمة مشتركة فِي أوروبا؟ وكيف يُمْكِنُنَا ضمان عودتها إِلَى مركزيتها؟
– مارسيل غوشيه: كَانَت المعرفة والثقافة مطروحتين باعتبارهما أدوات للوصول إِلَى الإنسانية الكاملة، فِي سلسلة متصلة تمتد من الكياسة البسيطة إِلَى فهم العالم الَّذِي نعيش فِيهِ. هَذَا مَا غذى المثل الأعلى للمواطن الديمقراطي. لقد فقدتا هَذَا الوضع، وتم اختزالهما فِي دور نفعي (أوترفيهي).
لقد انفصلت فكرة الإنسانية عَنْ فكرة الثقافة، وَلَمْ نعد بحاجة إِلَيْهَا للوجود. لقد غمرتنا موجة الخصخصة الَّتِي تلزمنا أن نعيش لأنفسنا، وقبل كل شيء، ألا نهدر وقتنا فِي محاولة فهم مَا يحيط بنا.
إن وراء الشعار التحرري عَلَى مَا يَبْدُو ” افعل مَا تُرِيدُ!”، هُنَاكَ فرضية عدمية: لَا فائدة من المعرفة، لَا يمكن السيطرة عَلَى العالم، كن راضيا بِمَا هو ضروري لتشغيل المتجر. وبالنسبة للباقي، اعتن بنفسك.
المدرسة عالقة فِي هَذِهِ الحركة الزاخرة من التجهيل ومحاربة العقل فِي مجتمعاتنا، وَالَّتِي تَجْعَلُ مهمتها شاقة. والتلاميذ لَا يعملون إلَّا عَلَى ترجيع ذَلِكَ باعتراضهم المزعج: مَا فائدة المدرسة؟ لِأَنَّ هَذِهِ هِيَ المفارقة الكبرى الَّتِي تعيشها مجتمعاتنا الَّتِي تُرِيدُ أن تكون “مجتمعات المعرفة”: لقد فقدت رؤية الوظيفة الحقيقية للمعرفة.
هَذَا هو السبب فِي أن يخامرنا إحساس بوجود مجتمع بلا ربان. لم يعد هُنَاكَ أي عقل لمحاولة فهم مَا يحدث: نحن نتفاعل، وندبر، ونتكيف. وما نحتاجه هو إعادة اكتشاف معنى المعرفة والثقافة.
س: هل هَذَا يَعْنِي أن سلطة المعرفة والثقافة لم تعد أمرا مسلما بِهِ، سَوَاء كَانَ الفصل الدراسي صعبا أم لَا؟ وكيف يُمْكِنُنَا إعادة تحديد دور السلطة فِي المدرسة؟
–مارسيل غوشيه : لقد أَفِلَتْ السلطوية، وبدأت مشكلات السلطة ! مُنْذُ فترة طويلة رُوِّجَ لنموذج من السلطة مِنْ طَرَفِ الأديان (مَا دمت لَا تدرك أسرار الإيمان فوض أمرك لِرِجَالِ الدين) والجيش (السعي إِلَى الفهم هو عصيان بالفعل). وانهارت هَذِهِ الأشكال من الإجبار والفرض بِدُونِ نقاش. وهذا أمر جيد! وَلَكِن تجدر الإشارة إِلَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إسقاطها، فإن سؤال السلطة عاد يثار عَلَى نَحْوَ جديد. لِمَاذَا هَذَا السؤال مهم جدا فِي المدرسة؟
ببساطة لِأَنَّ المدرسة ليس لديها وسائل عمل أخرى غير السلطة: يتم استبعاد استخدام القوة، وَلَنْ تجبر أي قيود مؤسساتية أي شخص عَلَى التعلم. وَالبِتَّالِي تستند قدرة المعلم عَلَى الإقناع فِي فصله عَلَى الثقة الموضوعة فِيهِ وِفْقًا للتفويض الممنوح لَهُ مِنْ قَبْلِ المجتمع والمكفول مِنْ قَبْلِ المؤسسة. ونحن هُنَا لدعمه فِيمَا هو مهمة جماعية.
ويجري الآن التشكيك فِي هَذَا الاتفاق. ويتم اختزال المعلمين إِلَى الكاريزما الخَاصَّة بِهِمْ. وهم يعملون بِدُونِ توجيه وبدون تفويض مؤسسي واضح. لم يعد المجتمع يسندهم من وراء، بدءا من إدارتهم. هَذَا هو مَا يؤدي إِلَى أزمة السلطة فِي المدارس: المعلمون موجودون هُنَاكَ نيابة عَنْ مجتمع لَا يعترف بالدور الَّذِي يلعبونه.
– فيليب ميريو : السلطة فِي أزمة لأنها فردية وَلَمْ تعد مدعومة بوعد اجتماعي مشترك. فِي الماضي كَانَ الأستاذ يستمد سلطته من المؤسسة، أَمَّا اليوم، فالحصول عَلَيْهَا يتوقف عَلَيْهِ. كَانَت المدرسة تضمن أن سلطة الأستاذ وعد مؤجل بالنجاح، لكنه حقيقي لمن يمتثل لَهَا.
اليوم تم الإخلال بوعد المدرسة، وَلَمْ تعد مقولة ” اعمل وسوف تنجح “عملة رائجة. والمدرسة الَّتِي كَانَت مؤسسة، أصبحت خدمة، والتبادلات داخلها تحكمها حسابات الفائدة قصيرة الأجل. وميثاق الثقة بَيْنَ المدرسة وأولياء الأمور أَصْبَحَ لاغيا. وغالبا مَا يعتبر الأولياء المدرسة سوقا يبحثون فِيهِ عَنْ أفضل قيمة مقابل الثمن.
التحدي الناتج عَنْ هَذَا الوضع ذو شقين. يَجِبُ علينا أولاً إعادة إضفاء الطابع المؤسسي عَلَى المدرسة حَتَّى فِي هندستها المعمارية. إِذَا كَانَت المدارس الثَّانَوِيَة من العهد النابليوني تعمل بِشَكْل جيد، فذلك لأنها فِي منتصف الطريق بَيْنَ الثكنة والدير، وتمزج بَيْنَ النظام والتأمل. إن إعادة إضفاء الطابع المؤسسي تقتضي تهيئة مواقف كفيلة بإثارة الوضعيات العقلية للعمل الفكري.
من الضروري تحديد المكان والزمان، وهيكلة المجموعات، وإقامة طقوس قادرة عَلَى دعم الانتباه وشحذ العزيمة عَلَى التعلم…
يَجِبُ علينا بعد ذَلِكَ، استعادة لذة الوصول إِلَى الكتاب، ضدا عَلَى المعرفة الفورية والنفعية، وكل انحرافات ” البيداغوجيا المصرفية”. لَا ينبغي اختزال مهمة المدرسة إِلَى اكتساب مجموعة من الكفايات، مهما كَانَت ضرورية، وَلَكِن الوصول إِلَى الفكر. فمن خِلَالَ وساطة العمل الفني أَوْ العلمي أَوْ التكنولوجي، يتنظم الفكر ويكتشف متعة، ليست متعة الهيمنة، بل متعة المشاركة.
س: هل يتطلب إعادة تحديد دور المدرسة إذن إعادة فحص نقدي لوسائلنا التعليمية أيضًا؟
– فيليب ميريو: الوصول إِلَى العمل (l’oeuvre) يصطدم بالرغبة المحمومة لدينا إِلَى المعرفة الفورية، لأنه يتطلب تأجيل تسخير المعرفة والدخول فِي مغامرة فكرية، ولأن أبناء الحداثة يتوقون إِلَى المعرفة، بل يتوقون إِلَى معرفة كل شيء. لكنهم لَا يريدون التعلم حقًا، لأنهم ولدوا فِي عالم من المفترض أن يسمح فِيهِ التقدم التقني بالمعرفة دون التعلم: اليوم، لالتقاط صورة صافية، لَا أحد يحتاج إِلَى حساب النسبة بَيْنَ عمق المجال والحجاب الحاجز، مَا دام الجهاز يقوم بِكُلِّ ذَلِكَ من تلقاء نفسه …
وَالبِتَّالِي، فإن النظام المدرسي يستهدف التلاميذ اللَّذِينَ يرغبون فِي المعرفة، ولكنهم لم يعودوا يريدون التعلم حقًا. التلاميذ اللَّذِينَ ليس لديهم أدنى فكرة أن التعلم يمكن أن يشكل فرصة للتمتع.
فِي الواقع، لطالما أبدت الثقافة الفرنسية مقاومة لنظريات التعلم، مفضلة نظريات المعرفة عَلَيْهَا: وهكذا يَبْدُو ” عرض المعارف بصدق ” الطريقة الوحيدة للتدريس، سَوَاء كَانَ يأخذ شكل النزعة الموسوعية الكلاسيكية أَوْ أطرا مرجعية للكفايات السلوكية.
فِي هَذَا المنظور، فإن المعرفة البرنامجية هِيَ فِي حد ذاتها بيداغوجيتها الخَاصَّة، وأي وساطة، وأي اشتغال عَلَى الرغبة، هِيَ جزء من نزعة بيداغوجية حقيرة. يؤسفني بشدة الجهل بِتَارِيخ التربية فِي الثقافة الفرنسية: إِنَّهُ تَارِيخ يساعدنا عَلَى الكشف عَنْ تناقضاتنا وأوجه القصور لدينا، وَإِعَادَةِ تحديد دور المدرسة.
– مارسيل غوشي: ماذا نعرف عَنْ معنى “التعلم”؟ لَا شيء تقريبًا. لكن فِي الواقع، نحن ننتقل بسلاسة من فئران التجارب وعلم النفس المعرفي إِلَى الكفايات الَّتِي تهم الشركات. لكن الجوهري يكمن بَيْنَ الاثنين، أي فعل التعلم، المتميز عَنْ المعرفة، الَّذِي لَا نكف، خطأً، إِلَى إرجاع معناه إِلَيْهَا. التعلم، فِي الأساس، بِالنِسْبَةِ للطفل، هو أن يدخل أولا وقبل كل شيء عالم العلامات الخطية (graphiques) عَنْ طَرِيقِ القراءة والكتابة، والوصول عَنْ طَرِيقِ هاتين الوسيلتين إِلَى الموارد اللغوية الَّتِي تكشف عَنْهَا تجسداتها المَكْتُوبَة.
فِي الواقع، هَذِهِ عملية صعبة للغاية لم ننته مِنْهَا إطلاقا. لِأَنَّ القراءة ليست مجرد فك رموز، بل هِيَ فهم أيضًا. وهذا ينطوي عَلَى سلسلة من العمليات المعقدة للتحليل والوضع فِي السياق وَإِعَادَةِ التشكيل الَّتِي لَا نعرف عَنْهَا شيئًا تقريبًا. كَيْفَ يمكن للمرء أن يتملك معنى النص؟
نلاحظ عَلَى نَحْوَ تجريبي أن البعض من التلاميذ يتحصل المعنى دونما جهد، بَيْنَمَا يتعطل البعض الآخر عَنْ ذَلِكَ لسبب غير مفهوم. حول كل هَذِهِ الموضوعات، تعوزنا الحيلة: فنتشبث بمزيج من التقاليد البالية والابتكارات التربوية العمياء، إِلَى حد مَا.
مثلما لَا يتم اختزال أي مهنة إِلَى مجموع المهارات اللازمة لممارستها، كذلك لَا يتم اختزال أي معرفة إِلَى مجموع المهارات اللازمة لإتقانها. هل المهارات الخطية والكتابية والإملائية والنحوية كافية لدخول ثقافة متعلمة (lettrée)؟ أنا لَا أصدق ذَلِكَ، لِأَنَّ ولوج المكتوب يَعْنِي القدرة عَلَى تحويل قيود اللغة إِلَى موارد للفكر.
هَذَا اللعب بَيْنَ القيود والموارد هو نتيجة عمل تعليمي غير قابل للاختزال لتراكم المعرفة -الفعل وممارسة التمارين الآلية. ويحيل إِلَى القدرة عَلَى ابتكار مواقف مولدة للمعنى، وَالَّتِي تمفصل بِشَكْل وثيق بَيْنَ الاكتشاف والشكلنة. بيد أننا نبتعد اليوم عَنْ ذَلِكَ بسرعة مِنْ خِلَالِ كتيبات المهارات الَّتِي تراكب مهارات مختلفة جدا مثل “معرفة كَيْفَ تكون مبدعًا” و “معرفة كيفية إرفاق ضميمة برسالة بريد إلكتروني”.
إذن مَا الَّذِي يمكن أن تعنيه عبارة “يمتلك الطالب 60٪ من الكفايات المطلوبة”؟ يشير مفهوم الكفاية أحيانًا إِلَى المعرفة التقنية القابلة لِإِعَادَةِ الإنتاج، وأحيانًا إِلَى القدرات غير القابلة للتحقق وَالَّتِي لَا يسعى أحد إِلَى معرفة كيفية تشكلها. هَذِهِ الأطر المرجعية تذري مفهوم الثقافة وتجعلنا نغفل عَنْ التكوين فِي القدرة عَلَى التفكير.
س: فِي الوقت الَّذِي ننتقل فِيهِ من بيداغوجيا المعرفة إِلَى بيداغوجيا الكفايات، مَا هِيَ الرافعات السياسية الَّتِي تمكن من تجديد أدوار المدرسة؟
– مارسيل غوشيه : يَجِبُ تجديد أدوار المدرسة، لكنها لَا تستطيع أن تفعل ذَلِكَ بمفردها فِي زاويتها. إِنَّهَا ليست مجال تخصص مثل أي مجال آخر يكفي أن يوكل أمرها إِلَى الخبراء حَتَّى يجدوا الحلول. لَا يمكن حل المشكلة التعليمية فِي ظل هَذِهِ الظروف. إِنَّهَا مسألة تتعلق بالحياة العامة إِلَى أقصى حد، وترهن مستقبل مجتمعاتنا، وَلَا يمكن التَعَامُل مَعَهَا إلَّا باعتبارها مسؤولية جماعية تهمنا جميعًا، وليس آباء التلاميذ فقط.
أحد التطورات الحالية الأكثر إثارة للقلق هو التثبيت فِي مركز القيادة لرؤية اقتصادية بحتة للمشكلة، وَهِيَ رؤية تمت بلورتها وتطويرها عَلَى نطاق دولي.
وهذا مَا يلخصه صدى نَتَائِج الاستطلاعات الَّتِي أجراها البرنامج الدَّوْلِي لِتَقْيِيمِ التلاميذ(PISA)، الَّذِي أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE). وَلَا تقوم وِزَارَة التربية الوَطَنِية إلَّا بعكس مفاهيم مشكوك فِيهَا لنوع الأداء الَّذِي يَجِبُ أن تسعى إِلَيْهِ أنظمة التعليم.
أقول مفاهيم مشكوك فِيهَا جدا، بِمَا فِي ذَلِكَ من زاوية العمالة والكفاءة الاقتصادية. من يمكنه أن يأخذ عَلَى محمل الجد كتيب الكفايات الَّذِي اعتمد فِي المدارس الإِعْدَادِيَة بهدف تقييم مكتسبات التلاميذ بِشَكْل أفضل؟
فِي العمل كَمَا فِي باقي مناحي الحياة، لَا يُمْكِنُنَا التقدم عَلَى جميع المستويات إلَّا بالفكر. ووظيفة المدرسة هِيَ بِكُلِّ بساطة أن تعلم التلاميذ مهارة التفكير، ومساعدتهم عَلَى بلوغ هَذِهِ السعادة الَّتِي هِيَ إتقان الأشياء الَّتِي نزاولها عَنْ طَرِيقِ العقل، مهما كَانَت. هَذَا هو إِلَى حد بعيد النهج الأكثر فعالية. إن الوهم الَّذِي نعيشه اليوم هو الاعتقاد بأننا سنحصل عَلَى أفضل النتائج العملية بالتخلي عَنْ هَذَا البعد الإنساني.
–  فيليب ميريو : أتفق تمامًا مَعَ مارسيل غوشيه حول أهمية التعبئة السياسية فِي موضوع التعليم، وَالَّذِي يتجاوز نطاق المدرسة. لَا تقدم البرامج التعليمية للحزبين السياسيين الفرنسيين الرئيسيين سوى إصلاحات مدرسية جديدة، إذ لَا تشير البتة إِلَى الأسرة، ودور وسائل الإعلام، وتواجد البالغين فِي المدينة، والعلاقات العابرة للأجيال.
س: مارسيل غوشيه وفيليب ميريو، فِي حين أنكما تنتميان إِلَى حركتين مختلفتين، فقد سعيتما إِلَى تَجَاوز التعارض القائم بَيْنَ ” المربي” و “الجمهوري”، هَذَا الخلاف القديم الَّذِي قسم من يسمون بأنصار معرفة النقل وأولئك اللَّذِينَ دافعوا عَنْ النقل الحصري للمعارف. هل هَذِهِ علامة عَلَى نهاية الانقسام العنيد، بل المتصلب؟
.- مارسيل غوشيه : يَبْدُو لي أن المعارضة بَيْنَ المربيين والجمهوريين أصبحت من الماضي. أنا سعيد بِذَلِكَ، لأنني عملت دائمًا عَلَى تجاوزها. إن الاختلاف النسبي بيني وبين فيليب ميريو يرجع ببساطة إِلَى اختلاف المنطلقات. ينطلق فيليب ميريو من التربية، بَيْنَمَا أنطلق أنا من انشغال سياسي أكثر.
من المهم، بالتأكيد، معرفة التراث التربوي، لكن ربما أكون أكثر حساسية من فيليب ميريو للجديد فِي الوضع التربوي. لَا يَبْدُو لي أن أي خطاب موروث، الآن، يرقى إِلَى مُسْتَوَى واقع المدرسة الَّذِي نشهده اليوم.
–  فيليب ميريو : فِي الوقت الحاضر، المهم هو خلق مدرسة تكون عَنْ عمد فضاء للتباطؤ، ومكانًا لتعلم التفكير، وتجربة عمل جماعي متضامن. بيد أَنَّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الأسئلة، يَبْدُو لي أن التراث التربوي فِي غاية الغنى والثراء. وَفِي المقابل، فإن الانقسام السياسي يقع بَيْنَ أولئك اللَّذِينَ يعهدون للمدرسة بنقل مقدار من المعارف التقنية الَّتِي تضمن لأَجَلٍ قابلية توظيف الأفراد، وأولئك اللَّذِينَ يرون أن للمدرسة رسالة ثقافية تتجاوز مجموع المهارات التقنية الَّتِي تسمح باكتسابها.
وهذه قضية مجتمعية تتطلب نقاشا ديمقراطيا حقيقيا.
ترجمة: يوسف سليم

عَنْ الموقع

ان men-gov.com مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع التدريس والتوجيه وَالتَعْلِيم وكذا اعلانات الوظائف بالمغرب,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعليمية التربوية الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها التلميذ والطالب و الأستاذ والمدير والباحث عَنْ فرص الشغل سَوَاء كت تابعة لمؤسسات الدولة اوغير تابعة لَهَا ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِوِزَارَةِ التربية الوَطَنِية والتَّكْوين المهني وَالبَحْث العلمي واي مؤسسة وطنية اخرى.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تم الحرص فِي men-gov.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف ملف مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير men-gov.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

À propos du site

men-gov.com est une plate-forme indépendante complète et moderne qui suit le rythme de tous les sujets d’enseignement, d’orientation et d’éducation, ainsi que des offres d’emploi au Maroc, et comprend également un ensemble de services et de méthodes éducatives qui simplifient et expliquent les choses qui répondent aux besoins de l’étudiant, du professeur, du directeur et du chercheur d’emploi, privé ou public, Il est à noter que cette plateforme n’est pas reliée au ministère de l’Éducation nationale, et de la Formation professionnelle et de la Recherche scientifique, et à tout autre institution.
Chaque année, notre plateforme profite à plus de 25 millions de visiteurs de tous âges.
Sur men-gov.com, nous avons pris en charge 4 principes:
Qualité et exactitude du contenu publié sur le site
Navigation fluide du site et bonne organisation afin d’obtenir des informations sans prendre la peine de chercher
Mise à jour continue du contenu publié et se tenir au courant des nouveaux développements du système éducatif
Ajout de fonctionnalités et de services éducatifs renouvelables
Depuis 3 ans, nous avons fourni plus de 50 000 articles et plus de 00 000 fichiers pour un développement permanent de notre plateforme qui correspond à vos aspirations, et le suivant est plus beau, si Dieu le veut.
⇐ Plateforme développée par DesertiGO et maintenue par men-gov.com
⇐ Vous pouvez nous suivre sur les réseaux sociaux pour recevoir nos actualités: cliquez ici

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *