مقاربة علمية لظاهرة سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المجتمعات النامية وعلى التنمية والديمقراطية
مقاربة علمية لظاهرة سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عَلَى المجتمعات النامية وَعَلَى التنمية والديمقراطية
الجيلالي شبيه – أستاذ التَّعْلِيم العالي فِي القانون والمالية والمنهجية – كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – جامعة القاضي عياض – مراكش
ملخص:
إن سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، ظاهرة اجتماعية خطيرة، تتخذ عدة أشكال دَاخِل العلاقات الاجتماعية وخارج سيادة الحق والقانون، وتجتاح كل القطاعات الاقتصادية والمؤسساتية⸱ وأصبحت، بِسَبَبِ إصرارها وانتشارها وضعف سياسات مكافحتها، تكتسي طابعا سلوكيا شبه عادي دَاخِل المجتمع⸱ وتترتب عَنْهَا عواقب وخيمة بِالنِسْبَةِ لمكونات المجتمع كافة، سياسيا واقتصاديا وماليا واجتماعيا وإداريا وبيئيا⸱ ومعالجتها تقتضي، من كل الفاعلين وصناع القرار، بالرغم من المجهودات المبذولة فِي مكافحتها مُنْذُ عقود، الاستمرار فِي المثابرة واتخاذ، عَلَى المدى القريب والمتوسط، إجراءات صارمة بفرض سلطة القانون وإنفاذ العقاب عَلَى كل جاني فِي حق المال العام والذمة المالية والنظام العام، مرفقا بحملات توعية شاملة بهدف اقتلاع هَذِهِ الظاهرة الوبائية⸱ وهكذا تدريجيا، بِكُلِّ عزم ونفس طويل، سَيَتِمُ، عَلَى المدى البعيد، لَا محال، مِنْ خِلَالِ هَذَا التوجه الصارم (العقاب والتوعية)، تَغْيير جدري فِي عقليات المواطنين، حاكمين ومحكومين، إدارة ومرتفقين، ملزمين أَوْ زبناء، من ناحية الأخلاق والمسؤولية والنزاهة والعمل الجاد والضمير المهني والسلوك السليم، فِي سبيل الصالح العام، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والممارسة الديمقراطية⸱
الكلمات المفتاحية: فساد مالي- ظاهرة اجتماعية خطيرة – عواقب وخيمة – صرامة وعقاب – نزاهة ومسؤولية – حماية المال العام⸱
Résumé: La mauvaise gestion, le gaspillage et la corruption financière et administrative constituent un phénomène social dangereux, qui prend de nombreuses formes au sein des relations sociales et en dehors de l’État de droit, et qui touche tous les secteurs économiques et institutionnels. En raison de sa persistance, de sa propagation et de la faiblesse des politiques publiques pour le combattre, il est devenu un comportement presque normal au sein de la société. Aussi a-t-il de graves conséquences pour toutes les composantes de la société, politiquement, économiquement, financièrement, socialement, administrativement et environnementalement. Y remédier nécessite, de la part de tous les acteurs et décideurs, malgré les efforts déployés pour le combattre depuis des décennies, de continuer à persévérer et à prendre, à court et moyen termes, des mesures strictes, en imposant l’autorité de la loi et en sanctionnant tout acte perpétré contre les fonds publics, les avoirs financiers et l’ordre public, accompagné de campagnes de sensibilisation globale visant à éradiquer ce phénomène pathologique. Ainsi, progressivement, à force de détermination et de persévérance, il y aura inévitablement, à terme, par cette approche stricte (punition et sensibilisation), un changement radical des mentalités des citoyens, des gouvernants et des gouvernés, de l’administration et des administrés, des débiteurs ou des clients, en termes de moralité, de responsabilité, d’intégrité et de travail acharné, de conscience professionnelle et de transparence, dans l’intérêt du bien public, du développement et de la démocratie.
Mots clés : mauvaise gestion, détournement de fonds publics – phénomène social grave – lourdes conséquences, rigueur et sanction, intégrité et responsabilité.
Abstract:
Mismanagement, waste and financial and administrative corruption constitute a dangerous social phenomenon, which takes many forms within social relations and outside the rule of law, and which affects all economic and institutional sectors. Due to its persistence, its spread and the weakness of public policies to combat it, it has become almost normal behaviour within society⸱ It also has serious consequences for all components of society, politically, economically, financially, socially, administratively and environmentally. Resolving it requires, on the part of all actors and decision-makers, despite the efforts made to combat it for decades, to continue to persevere and take action, in the short and medium term, strict measures, imposing the authority of the law and punishing any act perpetrated against public funds, financial assets and public order, accompanied by global awareness campaigns aimed at eradicating this pathological phenomenon. Thus, gradually, through determination and perseverance, there will inevitably, in the long term, through this strict approach (punishment and awareness), a radical change in the mentalities of citizens, those who govern and those who are governed, the administration and the administered, debtors or clients, in terms of morality, responsibility, integrity and hard work, professionalism and transparency, in the interest of the public good, development and democracy.
Keywords: poor management, embezzlement, serious social phenomenon, terrible consequences, rigor and sanction, integrity and responsability.
مقدمة: مفهوم التدبير المالي والإداري السيئ، نشأته، تطوره، إشكاله وخطورته
التدبير المالي والإداري السيئ، المخالف للقانون، والإجرامي، هُوَ تنظيم وتسيير و إدارة الشؤون والعمليات المالية: موارد، نفقات، ذمة مالية، عقارات، منقولات، وطرق البحث عَنْهَا وأوجه صرفها، تمارسها هيئة، منظمة أَوْ مؤسسة معينة: حكومة، إدارة، شركة، جمعية، حزب، نقابة، أسرة أَوْ أفراد، علاقة دولية، بكيفية رديئة، وإستراتيجية سيئة، مرفقة بهفوات كثيرة، واختلالات متنوعة، واختلاسات متعددة، ونتائج وحصائل مؤسفة للغاية[1]⸱
يتخذ سوء التدبير المالي والإداري ورداءته، بِمَا فِيهِ التبذير والفساد، أشكالا وأنواعا مختلفة : كغياب الكفاءات والمهارات لتسيير المرافق وتقديم الخدمات، كالسذاجة فِي التدبير أَوْ سوء النية، كالتدبير بِدُونِ عقلنة وَلَا إستراتيجية ملائمة⸱ تنتج عَنْ هَذِهِ السلوكات الشاذة ممارسات مالية وإدارية إجرامية عديدة⸱ نلاحظ خاصة كثرة الرشاوى، الاختلاس، التهرب أَوْ التملص الضريبي، تبييض وتهريب الأموال، خوصصة الأراضي وتملكها، الزبونية والمحسوبية والمحاباة، تعدد أنظمة الأراضي وتعقيدها، بهدف تملكها واستغلالها فِي مكاسب شخصية، احتكار الأموال والأسواق والاقتصاد، تمويل الإرهاب، وتهريب وبيع الأسلحة عبر قنوات غير شرعية[2]
كَمَا أن سوء التدبير الإداري والتبذير المالي، بمفهومهما الشمولي السيئ-الرديء، نشاط مالي وإداري، خارج عَنْ القانون بتاتا، يطبعه تضخم الأنانية، أَوْ الارتجالية والعفوية فِي التدبير لضعف أَوْ غياب الكفاءات، وجشع المكاسب وتفضيل المصالح الشخصية⸱ وتظل بعض الحالات، كتمركز السلطة، واستغلال السلطة والنفوذ، وغياب الضمير المهني، واللامبالاة، واللامعيارية، المطية الأكثر ملاءمة للرشوة، والاحتكار، والابتزاز، والاختلاس، والريع والإثراء غير المشروع، وارتكاب أخطاء فادحة ومتكررة، وعدم المراقبة والملاحقة والعقاب من قبل المسؤولين، إداريين، ماليين أم قضاة⸱
نشأت هَذِهِ الظاهرة وترعرعت فِي ظل المجتمعات الإنسانية المنظمة، خِلَالَ حقب زمنية، وَفِي جغرافيات متباعدة، وَلَكِن بنسب متغايرة وأشكال مختلفة، فتقوت وتضخمت، مَعَ مرور الزمن، فِي مجتمعات، وضعفت وتقلصت فِي أُخْرَى⸱ وترجع أسباب هَذِهِ التفاوتات والتباينات إِلَى الثقافات والمعتقدات والعادات والقيم وتضخم أَوْ غياب العجرفة وأشكال أنظمة الحكم وسلوكيات الحكام السائدة فِي هَذِهِ المجتمعات⸱ وَفِي قوله تعالى: “وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض ليفسد فِيهَا ويهلك الحرث والنسل والله لَا يحب الفساد” سورة البقرة، الآية 205⸱ ويقول ابن خلدون فِي المقدمة بِشَأْنِ الفساد: “يقع تخريب العمران، فتبقى تِلْكَ الأمم كأنها فوضى، مستطيلة أيدي بعضها عَلَى بعض، فَلَا يستقيم لَهَا عمران، وتخرب سريعا⸱⸱⸱”⸱
تعتبر هَذِهِ الظاهرة المالية والإدارية الوبائية (سوء ورداءة التدبير المالي، بمفهومه الواسع، أي احتواء التبذير والفساد المالي والإداري)، المنتشرة بنسب مرتفعة خاصة فِي الدول المتخلفة أَوْ النامية أَوْ ضعيفة الديمقراطية، ذات أهمية بالغة⸱ فَفِي رأي الباحثين والمختصين والمهتمين فِي مختلف المجالات بِهَذَا الموضوع، لما لَهُ من خطورة عَلَى المجتمعات والثقافات والحضارات، لَا بُدَّ مِنْ الإلمام بِهِ من حَيْتُ دراسته وتحليله وتفسيره وتشخيص أسبابه وأبعاده وآثاره وانتشاره وَإِظْهَارِ خطورته للالتفات بِكُلِّ صرامة لِهَذَا الوبأ ومحاولة التخلص من مخالبه، أَوْ عَلَى الأَقَلِّ التقليص بقوة من حدته، كَمَا هُوَ الشأن فِي الدول الديمقراطية الحقيقية⸱
ولقد اعتمدنا فِي دراستنا لِهَذَا المشروع الضخم – الَّذِي يقتضي تعبئة قوية مِنْ طَرَفِ كل الفاعلين وصناع القرار، وَمِنْ كل القطاعات المجتمعية، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وعلمية – منهجية بسيطة، لكن فعالة، تَنْطَلِق من العقل ومحاولة تركيزه وقيادته وتوجيهه، فِي نهج منظم، وبكيفية دقيقة، من بداية المشروع إِلَى نهايته، بهدف البحث والتفكير، خِلَالَ الوقت الكافي، عَنْ الحقيقة فِي المجال العلمي لهاته الظاهرة المرضية[3]⸱
وإشكالية البحث والتفكير فِي هَذَا المجال تقتضي من الباحث الموضوعي الَّذِي يتوخى اكتشاف الحقيقة تشخيص هَذِهِ الظاهرة المالية والإدارية الوبائية⸱ وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ دراسة أسباب ظهورها وتفشيها، مظاهرها وتجلياتها، آثارها وعواقبها، طرق معالجتها، وتقييم المجهودات المبذولة الَّتِي تحققها كافة المنظمات، فِي جميع القطاعات وَعَلَى كل المستويات⸱ وتختلف هَذِهِ المنظمات، باختلاف أشكالها وأنواعها، ومواضيع نشاطها: سياسيا أَوْ اقتصاديا، اجتماعيا أَوْ ثقافيا، بيئيا أَوْ علميا، جهويا، وطنيا أَوْ دوليا، سنة بعد أُخْرَى، لمعالجة هَذَا الوبأ المالي والإداري “المؤذن بخراب العمران”⸱ و”مِمَّا يزهدني” فِي هَذِهِ الأوضاع السياسية الراهنة، إِذَا مَا اقتصرنا عَلَى حضارتنا، أن “العرب”، كَمَا قَالَ ابن خلدون مُنْذُ أواخر القرن الرابع عشر، “أبعد الأمم عَنْ سياسة الملك”، أي عَنْ سياسة الحكم[4]⸱
المحور الأول: تشخيص ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
يمكن تحديد هَذِهِ الظاهرة المالية والإدارية الشاذة المتمثلة فِي سوء التدبير والتبذير والفساد مِنْ خِلَالِ أشكالها وحجمها وأعراضها⸱
أ- أشكال ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته تأخذ أشكالا كثيرة ومختلفة⸱ فرداءة وخطورة سوء التدبير تؤدي إِلَى ممارسات مالية وإدارية فاسدة صارخة، تأخذ أشكالا متنوعة، مثل تزوير الوثائق والتهرب الضريبي والصفقات التجارية المغشوشة والنفاق فِي المعاملات وخيانة الأمانة، وإضعاف الضمير المهني⸱ نلاحظ كذلك تكييف القانون للمصالح الشخصية، وعدم الالتزام بالقانون والخروج عَنْهُ، وتفضيل المصلحة الخَاصَّة دَاخِل المرافق العمومية، واحتكار القطاع العام والموارد الطبيعية لمكاسب شخصية، وانتهاك القواعد الأخلاقية والسلوكات الاجتماعية بهدف تحقيق مكاسب ذاتية، فئوية أَوْ نخبوية مادية أَوْ معنوية⸱ وينتشر تبذير المال العام وإساءة استخدامه بِكُلِّ الطرق اللا شرعية، كالرشاوى والاختلاس والمتاجرة بالنقود والإساءة دَاخِل المرافق العمومية، والثراء السريع، والمتاجرة بالأسلحة وتمويل الجماعات الإرهابية⸱ لِأَنَّ سوء التدبير والتبذير والفساد مرتبطون أشد الارتباط بالأموال ورؤوس الأموال والأعمال والاقتصاد، وإهدارالمال العام فِي الترف والبذخ والفخامة والرفاهية⸱ يقول العلامة ابن خلدون فِي مقدمته: “الترف مفسد للخلق بِمَا يحصل فِي النفس من ألوان الشر”⸱
ب- حجم ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن سوء التدبير ورداءته، فِي مفهومه الواسع، يشمل جميع أنواع الانحرافات والخروقات المالية، سَوَاء عَلَى مُسْتَوَى التدبير أَوْ التبذير أَوْ الفساد، بِحَيْثُ نلاحظ تكاليفه المالية جد مرتفعة وتأثيراته عَلَى الاقتصاد والتنمية والديمقراطية ذات خطورة بالغة⸱
فَإِذَا تصفحنا مثلا الإحصائيات الدولية أَوْ الوَطَنِية المنشورة فِي هَذَا الشأن نجد أن المَغْرِب يحتل للأسف، مُنْذُ عقود، مرتبة غير مشرفة تماما، رغم القدرات والإمكانيات الَّتِي يتمتع بِهَا، ورغم الموارد البشرية وكفاءاتها، والخيرات الطبيعية الَّتِي تزخر بِهَا البلاد: أراضي فلاحية، غابات ومياه، مناجم وبحار⸱
تعتمد منظمة الشفافية الدولية عَلَى أربعة معايير أساسية لتصنيف الدول حَسَبَ درجة خطورة الفساد: نسبة الديمقراطية، معدل الدخل السنوي، تكلفة المعيشة، ومدركات الفساد⸱ وتأسيسا عَلَى هَذِهِ المعايير، حصل المَغْرِب، خِلَالَ سنة 2022، عَلَى الدرجة 38، بمعدل دخل سنوي قيمته 3061 يورو، وصنف فِي المرتبة 94، من مجموع 180 دولة، تمَّ تصنيفها فِي سلم مؤشر مدركات الفساد لِسَنَةِ 2022 وَهِيَ مرتبة غير لائقة بِهِ⸱
كلما ارتفعت الدرجة (مجموع النقط المحصل عَلَيْهَا) انخفضت نسبة الفساد، وكلما انخفضت الدرجة ارتفعت نسبة الفساد⸱ وهكذا نجد الدنمارك تحصل عَلَى الدرجة 90، وَتَأْتِي فِي المرتبة الأُوْلَى، بمعدل دخل سنوي قيمته 57749 يورو، وتحصل الصومال عَلَى الدرجة 12، وَتَأْتِي فِي الرتبة الأخيرة (180)، ومعدل الدخل السنوي للأفراد 364 يورو⸱ وتحصل تونس عَلَى الدرجة 40، وَتَأْتِي فِي المرتبة 85، بمعدل دخل سنوي (م⸱د⸱س⸱) قيمته 2993 يورو، وتشغل تركيا الدرجة 36، وَتَأْتِي فِي المرتبة 101، ب م⸱د⸱س⸱ قيمته 8371 يورو، وتشغل الجزائر الدرجة 33، وَتَأْتِي فِي الرتبة 116، ب م⸱د⸱س⸱ قيمته 3095 يورو، وتحصل مصر عَلَى الدرجة 30، وَتَأْتِي فِي المرتبة 130، بمعدل دخل سنوي قيمته 2833 يورو⸱
يحصل أرخبيل السيشيل عَلَى الدرجة 70، وَيَأْتِي فِي المرتبة 23، ب م⸱د⸱س⸱ قيمته 14475 يورو، ويحتل المرتبة الأُوْلَى فِي الدول الإفريقية، وتحصل الإمارات العربية المتحدة عَلَى الدرجة 67، وَتَأْتِي فِي المرتبة 27، ب م⸱د⸱س⸱ قيمته 39558 يورو، وتحتل المرتبة الأُوْلَى فِي الدول العربية الإسلامية[5]⸱
نلاحظ أن هُنَاكَ مجموعة من الدراسات والمقتضيات والنصوص والأبحاث والتحريات الَّتِي قَامَتْ بِهَا المؤسسات الوَطَنِية والدولية فِي هَذَا الشأن وَالَّتِي حاولت مِنْ خِلَالِهَا التصدي إِلَى هَذِهِ الخروقات والإختلالات المالية ومحاربتها، مثل النصوص الجنائية والقواعد الإسلامية، والشرطة القضائية، والمحاكم المالية والإدارية والعادية والجنائية، والبنك الدَّوْلِي ومنظمة الشفافية الدولية، والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية⸱ وَقَد لاحظنا مِنْ خِلَالِ دراستنا لِهَذِهِ المُعْطَيات أن هَذِهِ الخروقات والإختلالات المالية والإدارية (سوء التدبير والتبذير والفساد)، كثيرة لَا تحصى، وأفرزت قضايا خطيرة عديدة، وأصابت العديد من المؤسسات العمومية والخاصة والمختلطة، فِي النقل وَفِي النقل الجوي، فِي المرافق العمومية، مركزية أَوْ غير مركزية، فِي الجماعات الترابية، فِي مرافق توزيع المياه والكهرباء، فِي الأبناك وصناديق التقاعد، فِي الصحة، فِي الصفقات العمومية، فِي القضاء، فِي الشرطة، فِي العقار وداخل المؤسسات العسكرية⸱
استنزفت هَذِهِ الظاهرة المالية والإدارية الوبائية، حَسَبَ الإحصائيات الَّتِي قمنا بِهَا، وَذَلِكَ مُنْذُ 1972 إِلَى اليوم (2023)، أكثر من 5100 مليار درهم، أي بنسبة مَا يفوق ثلاثة مرات ونصف الناتج الداخلي الإجمالي الحالي (1410 مليار درهم)، وما يعادل 100 مليار درهم سنويا تقتطع من الاقتصاد الوطني وَلَا تخدم الصالح العام فِي شيء، أي أكثر من 7 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي الحالي لَا تنفق لصالح المواطن وَفِي خدمة الوطن، بَلْ يتم إهدارها فِي مكاسب شخصية وبطرق غير شرعية تماما⸱ صرح رَئِيس الدولة العراقية أَنَّهُ مُنْذُ سقوط النظام السابق سنة 2003 إِلَى 2000 تكبدت العراق خسارة من صفقات الفساد قدرها 1000 مليار دولار (9820 مليار درهم)، هربت مِنْهَا 150 مليار دولار (1473 مليار درهم) إِلَى الخارج[6]⸱
ج- أعراض ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
تَتَجَلَّى مظاهر وأعراض ظاهرة انتشار سوء التدبير المالي والإداري فِي غياب المسؤولية أَوْ انعدامها، فِي تقهقر الواجب الوظيفي، وسوء التخطيط، والتعسف فِي استعمال السلطة، واختلال الجهاز الرقابي، وإفشاء أسرار عقود الصفقات العمومية⸱ تظهر كذلك هَذِهِ الأعراض فِي عدم تكافؤ الفرص فِي التشغيل والإشراف والقيادة والمسؤولية، فِي انتشار اللامبالاة، فِي التراخي والتباطؤ والتعقيد فِي تأدية العمل المطلوب وعدم احترام أوقات العمل، فِي الخروج عَنْ القواعد الضبطية، وَفِي الشعور بالظلم لَدَى الطبقات الدنيا والوسطى⸱
تتجسد كذلك ظاهرة التدبير السيئ والتبذير واللامبالاة و”اللا معيارية” واستفحال الفساد فِي عدم الاهتمام بالعمل والمجهود والمثابرة والعلم والمعرفة، وَفِي نشوء وتطور وتضخم طفيليات اجتماعية تعيش وتتقوى عَلَى نهب المال العام بمختلف الطرق غير الشرعية مِنْ خِلَالِ السلطة والنفوذ اللذان تتمتع بهما، وَفِي تداول العمليات والمفاوضات اللا شرعية عَلَى شبكة الأنتيرنيت (الأوراق البنكية والشيكات والكمبيالات وبطاقات الائتمان)، وَفِي الاضطرابات الصارخة الَّتِي يعاني مِنْهَا المجتمع كالتفكك الاجتماعي وانهيار الضوابط والقيم والمبادئ والأخلاق[7]⸱
المحور الثاني: أسباب ظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
Etiologie (causes et origines) de l’apparition et de la propagation du phénomène de la défectuosité de la gestion du patrimoine et des fonds publics
نلاحظ مِنْ خِلَالِ الكثير من الوثائق والمراجع الَّتِي اطلعنا عَلَيْهَا أن أسباب ظهور وتطور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته والتبذير والفساد ترجع إِلَى عوامل عديدة، مختلفة ومعقدة: سياسية وإدارية، اقتصادية ومالية، اجتماعية وثقافية، قانونية وقضائية⸱
أ-الأسباب السياسية والإدارية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
وتوصلنا مِنْ خِلَالِ أبحاثنا إِلَى وجود تمركز للسلطة واحتكارها واستغلال النفوذ عَلَى مُسْتَوَى المركز، وخلق نخبة قوية لَهَا امتيازات عديدة وتستفيد من كل الخيرات الوَطَنِية وتنفرد باتخاذ القرارات الإستراتيجية عَلَى حساب الأغلبية الساحقة (الطبقات الكادحة والفقيرة والبسيطة والوسطى)⸱ تتمركز السلطة فِي أيدي الأقلية ويتم توجيه النظام العام إيديولوجيا واحتكار الاقتصاد والكسب والامتيازات، وعدم استقلالية السلطات الثلاث، وانتشار البيروقراطية الحكومية والإدارية⸱ نلاحظ كذلك كثرة الضرائب وقلة المرافق وغياب المراقبة، والافتقار إِلَى إرادة سياسية جدية لمكافحة الفساد⸱ وأدى التنافس عَلَى السلطة والإستأثار بِهَا فِي كل مراكز النفوذ إِلَى استياء المرتفقين من تصرفات الحكومات المتعاقبة ونهجوا للأسف مثل هَؤُلَاءِ المسؤولين نهجا مختلا أخلاقيا واقتصاديا وماليا⸱
وكما يقول الشاعر الأندلسي ابن خفاجة (1058-1138) فِي هَذَا الشأن: “فما يستقيم الأمر والملك جائر، وهل يستقيم الظل والعود معوج”⸱ وَفِي نفس المعنى يقول ابن خلدون: “تنهار الدولة بِسَبَبِ السلطة الَّتِي تعتمد عَلَى الترف والبذخ والإسراف”⸱ ويذكر العالم الجغرافي المغربي الشريف الإدريسي (1100-1166) أن جل المواد الصناعية دَاخِل مدينة مراكش كَانَت تفرض عَلَيْهَا القبالات أي الضرائب “مثل سوق الدخان والصابون والصفر والمغازل، وَكَانَت القبالات عَلَى كل شيء يباع دق أَوْ جل” وفرض حكام الأندلس هَذِهِ الضرائب نفسها عَلَى السكان “فشملت المحاصيل الزراعية والمصنوعات وغيرها من الصادرات والواردات، وَلَمْ يستثنى مِنْهَا شيء”⸱ سامية جباري، مظاهر الأزمة الأخلاقية عِنْدَ حكام الأندلس، مرجع سابق[8]⸱
ب-الأسباب الاقتصادية والمالية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
يَجِبُ التأكيد هُنَا عَلَى أن سوء التدبير والتبذير والفساد، من المنظور الاقتصادي والمالي، لَا يقتصر عَلَى قطاع مجتمعي معين، بَلْ يشمل كل القطاعات الاقتصادية، لكن بدرجات جد متباينة (عام وخاص ومختلط، أَوْ إدارات وشركات ومنظمات غير حكومية، وعلاقات دولية وأسر)⸱ وتتميز هَذِهِ القطاعات كافة وعموما بسيطرة الرغبات والمصالح الخَاصَّة والذاتية والشهوات عَلَى المصلحة الوَطَنِية، وتهيج الطموحات والقدرة عَلَى تحقيقها لتوفر الامتيازات والإمكانيات من جهة، وعدم القدرة عَلَى تحقيقها، لبعض الشرائح من هَؤُلَاءِ، لعدم توفر تِلْكَ الامتيازات والإمكانيات من جهة أُخْرَى⸱ ونعتبر، علميا وإحصائيا، مِنْ خِلَالِ الدراسات الاقتصادية والمالية، سَوَاء عَلَى المُسْتَوَى الوطني أَوْ الدَّوْلِي، أن مجموع هَذِهِ القطاعات، من منظور آخر، أي القطاع الأولي (فلاحة وزراعة، مياه وبحار، غابات ومناجم)، والقطاع الثاني (الصناعات التقليدية والحديثة والتحويلية)، والقطاع الثالث (الخدمات والمرافق والأبناك والإدارات والجمعيات والتعاونيات)، والقطاع الرابع (التكنولوجيا والمعلوميات والرقمنة والعلم والإعلاميات)، قَد تدر خيرات لَا تحصى إن هِيَ دبرت بطرق عقلانية، جيدة ومسؤولة⸱
لكن مَعَ الأسف الخروقات والإختلالات والجرائم، والتدبير السيئ والتبذير والفساد والمصالح واللا مبالاة وعدم المسؤولية وغياب المراقبة والزجر، أدوا إِلَى التنافس والصراع بَيْنَ مختلف الشرائح والطبقات الاجتماعية والنخبة، مِمَّا نتج عَنْهُ الفقر والعوز والاحتياج والأجور المتدنية بِالنِسْبَةِ للأغلبية الساحقة (أكثر من 70 بالمئة) والبذخ المالي والاحتكار الاقتصادي والتباهي والمباني والأصفار والضيعات بمئات بَلْ بآلاف الهكتارات⸱
تأسيسا عَلَى معطيات البنك الدَّوْلِي وصندوق النقد الدَّوْلِي نعرض هُنَا مقارنة بَيْنَ دول حوض البحر الأبيض المتوسط ودول أُخْرَى إفريقية، جنوب إفريقيا، أَوْ أسيوية، تركيا، دراسة قائمة عَلَى الناتج الداخلي الإجمالي، بمليار دولار لِسَنَةِ 2022 : تونس 47، المَغْرِب 134، الجزائر 194، البرتغال 252، جنوب إفريقيا 406، مصر 477، السعودية 1108، إسبانيا 1398، إيطاليا 2010، فرنسا 2950⸱ ونلاحظ أن اختلاف أَوْ تباين هَذِهِ الثروات من دولة لأخرى مرده أساسا إِلَى خمسة عوامل: كفاءات المدبرين السياسيين والإداريين، ومهارات الخبراء والمدبرين والحرفيين عَلَى مُسْتَوَى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وجودة وعقلنة التدبير المسؤول عَلَى المُسْتَوَى الجهوي والوطني والدولي، والمساحة الجغرافية وخيراتها وتطوير وتثمين الثروة الوَطَنِية، والحجم الديمغرافي لِكُلِّ دولة⸱
فَإِذَا أحصينا مثلا هَذِهِ الدول حَسَبَ حجمها الديمغرافي (مليون نسمة)، يكون الترتيب بالتصاعد كالتالي: البرتغال 10، تونس 12، السعودية 37، المَغْرِب 38، الجزائر 46، إسبانيا 48، إيطاليا 59، جنوب إفريقيا 60، فرنسا 65، تركيا 86، ومصر 113⸱ وَإِذَا أضفنا حجم المساحة الجغرافية الإجمالية (الأرض والمياه، بمليون كم2) لِهَذِهِ الدول (بِدُونِ التبعيات) فيكون ترتيبها بالتصاعد كالتالي: البرتغال 0,09- تونس 0,16 – إيطاليا 0,3 – إسبانيا 0,5 – فرنسا 0,6 – المَغْرِب 0,7 – تركيا 0,8 – مصر 1- جنوب إفريقيا 1,2 – السعودية 2,2 – والجزائر 2,4 .[9]
تكمن أسباب التخلف أساسا، بِالنِسْبَةِ لِجَمِيعِ الدول الَّتِي تعاني من هَذِهِ المصيبة، فِي سوء التدبير والتبذير والفساد والذين يتولد عنهم حتما اختلال صارخ فِي نسبة وطبيعة الاستثمار، فِي جودة المرافق بصفة عامة، وَفِي الإنفاق عَلَى التربية والعلم وَالتَعْلِيم والصحة والسكن والتعمير بصفة خاصة⸱ نلاحظ كذلك أن هَذِهِ التصرفات والسلوكات المالية والإدارية الشائنة والمرضية تفرز حالات اقتصادية شاذة: سوء تدبير المخاطر الاجتماعية، إنتاج فلاحي متدني، صناعة ضعيفة أَوْ شبه منعدمة، بطالة مرتفعة، أجور لَا توازي بتاتا الجهود المبذولة، عدم تكافؤ الفرص وتفاقم اللا مساواة، ضعف القوة الشرائية للأغلبية وارتفاع أثمنة الاحتياجات اليومية[10]
ج-الأسباب الاجتماعية والثقافية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن تمركز السلطة فِي المركز الجغرافي، العاصمة، واحتكار الاقتصاد الوطني والاستثمار عَلَى مُسْتَوَى كافة القطاعات، تتولد عنهم لامساواة اجتماعية صارخة وردود أفعال شائنة، بِسَبَبِ هَذَا التهميش، شاذة أَوْ إجرامية مصلحية ضاربة عرض الحائط المعايير الاجتماعية والقيم الأخلاقية⸱ فيصير سوء التدبير المالي والإداري ورداءته وفساده، بِسَبَبِ أهداف مصلحية، أمرا عاديا للغاية⸱ ونصبح أَمَامَ أوضاع مزرية تغيب فِيهَا، عَلَى حساب الذات أَوْ الأسرة أَوْ الفئة أَوْ النخبة، قواعد التمييز بَيْنَ الشرعي واللاشرعي، بَيْنَ العادل والظالم، بَيْنَ الأخلاقي واللا أخلاقي، بَيْنَ الصالح والطالح، بَيْنَ السوي والمنحرف، بَيْنَ التماسك والتضامن والتفكك والانحلال⸱
وهكذا نجد أغلبية الدول المتخلفة بنت نخبها ثرواتها وقوت مراكزها الاجتماعية عَلَى السحت ونهب ثروات وخيرات أبنائها واحتكار الذمة المالية الوَطَنِية بِسَبَبِ عدم انضباط الحاكمين ومراكز السلطة شرعيا وأخلاقيا وقيميا⸱ يَجِبُ أن لَا نصدم إِذَا رأينا مجتمعا مَا، أفرز وبنا وقوى، مَعَ مرور الزمن، بِسَبَبِ نشاط أرباب السلطة وتشجيعهم عَلَى هَذِهِ الأوضاع، قواعد وأدوات تنظيمية ضبطية تحدد مجالات نخبوية، مادية ومعنوية وثقافية، ومجالات أُخْرَى مهمشة لكافة باقي الشعب، وَهِيَ أمور تولد، لَا محالة، استراتيجيات وحيل فِي الحياة للعيش فَقَطْ وَالبَحْث عَنْ القوت اليومي، أَوْ الانحراف والإجرام والتسكع، ثُمَّ، عَلَى نطاق أوسع، الانحلال الأخلاقي والتفكك الاجتماعي، أكثر مِمَّا تنتج التوافق والتماسك والتضامن، فتجتاح ظاهرة سوء التدبير ومصائب التبذير والفساد وانعكاساتها جميع مكونات الدولة والمجتمع، من أسر ومدارس ومقاولات وإدارات وسجون وهجرة داخلية وخارجية وجمعيات وتعاونيات ونقابات وأحزاب وبرلمان وحكومة⸱
هَكَذَا صارت الآن هاته السلوكات المرضية فِي تدبير أموال الوطن وخيراته وثرواته وَفِي المرافق العمومية عادية دَاخِل المجتمع وَعَلَى مُسْتَوَى الهيئات والمنظمات والمؤسسات الرسمية تتوارث جيلا عَنْ جيل إِلَى درجة أن بعضها تاريخيا وبعضها حاليا صارا أَوْ أصبحا يتخذان مفاهيم متداولة فِي الأوساط الاجتماعية والمؤسساتية بِشَكْل طبيعي للغاية⸱ ولو أن هاته الانحرافات والممارسات المخالفة للقواعد القانونية لَمْ تكن، فِي الواقع التاريخي أَوْ الحالي، إلَّا ابتزازا أَوْ رشوة أَوْ تملصا من الضريبة أَوْ شططا فِي استعمال مواقع النفوذ أَوْ المنصب والامتياز، مثل: حلاوة، قهوة، عمولة، هدية، هبة، كلفة، ظهيرة، نايبة، ترتيب، مكس، حركة[11]
د-الأسباب القانونية والقضائية لظهور وتفشي ظاهرة سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن سوء التدبير والتبذير والفساد يجتاحون كذلك مجال القانون والقضاء، ويضربون فِي العمق مبدأ سيادة القانون والعدالة القضائية والاجتماعية، وَكُل مبادرة تَغْيير أَوْ إصلاح صادرة عَنْ نيات حسنة سرعان مَا يتم تجميدها أَوْ إجهاضها وتبوء بالفشل، هَكَذَا كَانَ مصير العديد من المشاريع القانونية والقضائية⸱ ونفس الشيء بِالنِسْبَةِ لقاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة الَّتِي لَمْ يتم تفعيلها وإن كَانَت مقتضى دستوريا⸱
كَمَا أن أغلبية المحاكمات القضائية لَا تَشْمَلُ سوى بعض الأطر، معينة أَوْ منتخبة، فِي مراتب ودرجات سفلى، بَيْنَمَا تظل متابعة كبار المسؤولين والموظفين السامين جد نادرة، لَا عَلَى المُسْتَوَى الوطني وَلَا عَلَى المُسْتَوَى الجهوي أَوْ الإقليمي⸱ إِذْ ليس هُنَاكَ فَقَطْ حيف من حَيْتُ التجريم، بَيْنَ مراكز السلطة وموظفون عاديون، بَلْ نلاحظ كذلك حَتَّى الأحكام نفسها تكون فِي مجملها غير متناسبة بتاتا مَعَ خطورة الجريمة المالية والإدارية المرتكبة⸱ وأكثر من هَذَا، قَد تستغرق مرحلة التقاضي وقتا طويلا و تنتهي المتابعة بحالة سراح فِي آخر المطاف⸱ وهكذا، للأسف، صار التطبيق القضائي دَاخِل المحاكم، مُنْذُ زمن طويل، مطابقا تماما لما ندرسه فِي المحاضرات القانونية عِنْدَمَا نقول إن الفرق يظل شاسعا بَيْنَ مَا ينبغي أن يكون وما هُوَ كائن بالفعل، بَيْنَ القاعدة القانونية كَمَا شرعت والواقع الاجتماعي اليومي، إداريا أَوْ ماليا، قضائيا أَوْ اقتصاديا، أَوْ سياسيا، وَخَاصَّةً عَلَى مُسْتَوَى الدول ضعيفة أَوْ منعدمة الديمقراطية⸱
ونفس الشيء نلاحظه بِالنِسْبَةِ لجهاز المراقبة المالية والإدارية الَّذِي لَا يزال يفتقر لتغذية قوية بالمعلومات المتقاطعة الضرورية، ولمتابعة سير العمليات ومراجعتها بعد التنفيذ، ولملاحقة قانونية زجرية وقضائية صارمة ومستمرة لِكُلِّ عمل إجرامي فِي هَذَا الشأن⸱ إِذْ مَا زلنا نعاين يوميا التراخي فِي كشف ومعالجة الانحرافات، وَفِي الملاحقات الإجرائية والعقابية لمرتكبي جرائم الفساد، لَا عَلَى المُسْتَوَى الداخلي وَلَا الخارجي[12]⸱
المحور الثالث: الآثار والعواقب المترتبة عَلَى ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
Les conséquences et séquelles entraînées par la propagation et la « contagion » du phénomène de la défectuosité de la gestion du patrimoine national et des fonds publics
إن سوء التدبير المالي والإداري ورداءته وتبذير المال العام قَد يؤديا إِلَى الفساد المالي، والفساد المالي قَد يؤدي بدوره إِلَى انحرافات سلوكية وخروقات إجرامية⸱ وعندما تنتشر هَذِهِ الآفة الاجتماعية المرضية (سوء التدبير والتبذير والفساد) ويتسع نطاق نشاطها يصاب المجتمع عموما باختلال وتدهور فِي بنائه وبنيته وتنظيمه ونظامه، وتصاب خلاياه ووحداته وشرائحه بانحلال قيمي وأخلاقي وثقافي داخلي، سَوَاء عَلَى مُسْتَوَى الأسرة أَوْ المقاولة أَوْ الإدارة أَوْ المنظمة غير الحكومية، أوالعلاقة مَعَ الخارج⸱ وهكذا تتفاعل كل هاته السلوكيات الذاتية والمؤسساتية المرضية دَاخِل المجتمع وتصبح العلاقات الاجتماعية المتعارف عَلَيْهَا وسارية المفعول خاضعة لقواعد ومعايير جانحة وانحرافية ضاربة عرض الحائط كل الضوابط والمثل السوية والسليمة المبنية عَلَى أسس ومبادئ الأخلاق والعدالة والمساواة والجدارة والكفاءة والاستحقاق والتماسك والتآزر والتنمية الديمقراطية⸱ كل هَذِهِ الممارسات المالية الفاسدة، تأخذ مظاهر مختلفة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقانونيا⸱
أ-الآثار والعواقب السياسية والإدارية لسوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن سوء التدبير المالي والإداري والتبذير والفساد تنعكس عواقبهم، سياسيا وإداريا، عَلَى المواطن وتجعله يفقد الثقة فِي الهياكل السياسية والإدارية، وتضعف فِي نضره شرعية السلطة ومصداقيتها، وتنحط فِي أعين الناخب المشاركة السياسية بِمَا لَهَا وما عَلَيْهَا: حكومة وبرلمانا ومعارضة وأحزابا وتصويتا⸱
لِأَنَّ كل مَا يشعر بِهِ المواطن، فِي حالات شتى، ويعيشه فِي حياته اليومية مرارا مِنْ خِلَالِ علاقته بالمصالح والمرافق العمومية هُوَ الإخلال بالواجب ساعات العمل، هُوَ الانحراف الإجرامي بمقاصد القرار نَحْوَ مصالح شخصية، أَوْ فئوية، عوض تحقيق المصلحة الوَطَنِية، هُوَ كذلك نوع من التهاون وغياب الإبداع والدقة فِي العمل، وعدم الحرص عَلَى متابعة ورقابة وتنفيذ المشاريع المحلية أَوْ الجهوية أَوْ الوَطَنِية ذات الطبيعة المجتمعية[13]⸱
وخروقات أُخْرَى وممارسات شاذة كثيرة نستشفها مِنْ خِلَالِ أبحاثنا وتجاربنا وما قرأناه ونقرؤه فِي الصحف والإعلاميات ومواقع التواصل الاجتماعي الموثوق بِهَا من قضايا ونوازل كصفقات الأشغال العمومية والصفقات التجارية المغشوشة والتسريبات المخلة بالتنافس النزيه، والنفاق فِي المعاملات وخيانة الأمانة، وإضعاف الضمير المهني، وتفشي اللامبالاة والسلبية فِي العمل، وعدم احترام الوقت والمواعيد والمصلحة الوَطَنِية⸱ وتنتشر هَذِهِ العاهة عَلَى نطاق أوسع وطنيا لِتَشْمَل معظم الفئات الاجتماعية متجسدة فِي الشعور بالظلم والحرمان لَدَى كافة الطبقات مهضومة الحقوق⸱ ويصير انتشار الحقد والكراهية جليا علنيا اتجاه مراكز السلطة والهياكل الإدارية وَكُل مصادر تكديس الأموال والأعمال والبذخ والثروات، وعدم الاهتمام لَدَى الأحداث والشباب بالدراسة وَالتَعْلِيم والمثابرة، والاجتهاد والعلم والعمل، والكد والجد⸱
وَفِي رأي ابن خلدون إن الأقلية أَوْ النخبة الحاكمة الَّتِي صارت تنهج فِي سلوكها السياسي والأخلاقي، بعد فترة من الحكم، طرقا فِي العيش والمعاش مبنية عَلَى الطمع والترف، ينتقل الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والسياسية والعسكرية والاقتصادية الَّذِي تقلّدته مُنْذُ زمن تأسيسها إِلَى شعور البذخ المالي والرفاه المادي والغطرسة، تدوس بِهِ الجميع مِنْ أَجْلِ مصالحها الخَاصَّة⸱⸱⸱لكن سرعان مَا يبدأ الأفول ثُمَّ الانهيار إِلَى الأبد لَا محالة⸱
ب-الآثار والعواقب الاقتصادية والمالية لسوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن سوء التدبير المالي والإداري والتبذير والفساد لَهُمْ عواقب وخيمة عَلَى الاقتصاد ويرتبطون بِهِ عكسيا أشد الارتباط⸱ فكلما إِرْتَفَعَ حجم هَذِهِ الظاهرة الوبائية انخفض حجم الاقتصاد جملة، وكلما زادت خطورة هَذِهِ الظاهرة المرضية تدهورت الوضعية الاقتصادية فِي البلد المعني بِالأَمْرِ: لَا من حَيْتُ الإنتاج وَلَا التوزيع وَلَا الاستهلاك وَلَا حركية السلع والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص⸱ لِأَنَّ تتبع التطور الاقتصادي استشفافا لمراحل التَارِيخ، وفهما للعمران البشري، وفهما فِي نفس الوقت لطبيعة العمل والإنتاج والدخل والقيمة والمجال والاحتكار والتخصص والملكية، وَالبِتَّالِي فهما للقبائل والمدن والإمبراطوريات والدول[14]⸱
فالإنتاج يتضرر من هَذِهِ الآفة التدبيرية بنسبة عالية، قَد تَتَرَاوَحُ مَا بَيْنَ 45 إِلَى 55 بالمئة، وَتَشْمَلُ جميع عناصره : الناتج الداخلي الإجمالي، النصيب الفردي من الناتج الداخلي الإجمالي، أَوْ الدخل الفردي السنوي لِكُلِّ شخص، القدرة الصناعية عَلَى تحويل السلع والخدمات، والقدرة الصناعية عَلَى تحويل الثروات الطبيعية من معادن وغابات ومنتجات فلاحية ومياه وأسماك وطاقة شمسية⸱ حَسَبَ إحصائيات صندوق النقد الدَّوْلِي لِسَنَةِ 2023، يسجل الدخل الفردي السنوي وبالتساوي مَعَ القدرة الشرائية لِكُلِّ مغربي 10460 دولار أمريكي، أي مَا يعادل 103240 درهما سنويا، و8603 شهريا، مِمَّا يجعل المَغْرِب يحتل المرتبة 125، من مجموع 190 دولة مصنفة⸱ لكن السؤال الَّذِي يظل مطروحا، هل كل مغربي يتقاضى فعلا دخلا شهريا قدره 8603 درهما ؟
وتظهر كذلك أثار هَذِهِ الظاهرة المالية والإدارية المرضية عَلَى التوزيع بصورة جلية جدا: بِحَيْثُ نلاحظها فِي توزيع الثروات الوَطَنِية والدخول والأرباح، فِي توزيع التكاليف العمومية، بِمَا فِيهَا الضرائب، “الَّتِي تتطلبها تنمية البلاد وَكَذَا تِلْكَ الناتجة عَنْ الأعباء الناجمة عَنْ الآفات والكوارث الطبيعية” وغير الطبيعية الَّتِي تصيب البلاد والعباد، فِي توزيع المهام والمناصب بِشَكْل يتناسب مَعَ مهارات وكفاءات كل شخص، وَفِي توزيع الإمدادات والمساهمات العمومية حَسَبَ النقص والاحتياج والأزمة الَّتِي يمر بِهَا كل شخص، إِلَى غير ذَلِكَ⸱
والاستهلاك ليس، فِي الواقع، تدميرا للمادة، كَمَا يقول العالم الاقتصادي الكلاسيكي الفرنسي جون باتست سي (1767-1832)، بقدر مَا هُوَ تدمير للمنفعة فَقَطْ⸱ وَالبِتَّالِي قَد يكون الاستهلاك إشباع فوري لاحتياج معين ومحدد، أَوْ مجموعة معدات وموارد وسلع تستخدم فِي عمليات الإنتاج والتصنيع⸱ وَعَلَى هَذَا الأساس فالاستهلاك بصفة عامة، سَوَاء كَانَ دَاخِل القطاع العام، أَوْ القطاع الخاص أَوْ القطاع المختلط، يَجِبُ أن يفهم عَلَى أن لَهُ دور المحرك فِي الاقتصاد⸱ فسير وتسيير وتدبير المنظمات والمؤسسات والمقاولات لِتَحْقِيقِ أهداف وأغراض ومشاريع معينة، تنبني عَلَى الاستهلاك، والادخار، والاستثمار⸱
والاستثمار ذاته، فِي جميع القطاعات (عامة، خاصة أَوْ مختلطة)، أساسه الاهتلاك، وينبني عَلَى الاستهلاك، وَكَذَا كافة المرافق العمومية (الصحة وَالتَعْلِيم والتعمير والأمن والدفاع وَالبَحْث العلمي⸱⸱⸱) وغير العمومية (أشغال ومركبات، خدمات، ومرافق معترف لَهَا بالمنفعة العامة)، والعرض والطلب أساسها الاستهلاك، إن لَمْ تكن هِيَ ذاتها استهلاكا⸱ فَإِذَا لَمْ يفهم الاستهلاك كمحرك للاقتصاد، أي وجد فِي منظمة مَا لإشباع منافع أواحتياجات أَوْ انتظارات، سَوَاء بكيفية مباشرة، فِي القطاعين العام والمختلط، أَوْ غير مباشرة، فِي القطاع الخاص، فاعلم أيها المواطن، ملزما كُنْت، أَوْ مرتفقا، أَوْ مستخدما، أَوْ مستهلكا، أَوْ زبونا، أن سوء التدبير والتبذير والفساد قَد يصل فِي هَذِهِ الحالات بالذات إِلَى نسب مؤسفة للغاية، نسب تدمر خيرات وثروات البلاد بكميات باهظة، وممارسات إجرامية عديدة وخطيرة⸱
وحركية السلع والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص عَلَى المُسْتَوَى الدَّوْلِي قَد تمر بطرق شرعية نزيهة، كَمَا قَد تمر باستراتيجيات غير شرعية بتاتا⸱ وهذا الجانب اللا شرعي الدَّوْلِي هُوَ الَّذِي يشمل جميع الخروقات والانتهاكات الإجرامية بجميع أنواعها وأشكالها تنتج عَنْهَا أضرارا اقتصادية ومالية تحصى بمئات الملايير درهم سنويا⸱ وهكذا نلاحظ العديد من الخروقات الاقتصادية والمالية فِي هَذَا الشأن، كتهريب رؤوس الأموال، والتهرب الضريبي، واستيراد بمقابل نقدي باهظ النفايات الخطرة المعدنية أَوْ السامة ودفنها فِي التراب الوطني، تصدير أَوْ استيراد المخدرات أَوْ المنتجات المقلدة أَوْ المغشوشة، غسيل الأموال، نقل أَوْ تحويل رؤوس الأموال واستغلالها فِي الجنات أَوْ الملاذات الضريبية، الاقتصاد السري أَوْ غير الرسمي الدَّوْلِي، إنشاء معامل ومختبرات لصنع وترويج الأدوية بطرق غير شرعية، الوساطة الدولية عَلَى مُسْتَوَى الأبناك ومؤسسات الائتمان وشركات المحاسبة، لاقتراح خدماتهم فِي هَذَا المجال وَالبِتَّالِي تشجيع هَذِهِ الممارسات والخروقات الاقتصادية والمالية[15]⸱
ج-الآثار والعواقب الاجتماعية والثقافية لسوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن سوء التدبير المالي والإداري، بِمَا فِيهِ التبذير المفرط والفساد المالي، يخلفون أضرارا فادحة عَلَى النظام الاجتماعي بكامله: أسر، شركات، مؤسسات، مرافق وإدارات، منظمات غير حكومية، علاقات مَعَ الخارج⸱ فَإِذَا عم الفساد المالي والإداري اكتسح كافة خلايا المجتمع وشرائحه، تنقشع المساواة، ويتفاقم التمييز بَيْنَ شرائح المجتمع، وتعمق الهوة بَيْنَ الفقراء والأغنياء، وتذهب العدالة الاجتماعية، ويتضخم الشعور بالظلم والحرمان والكراهية بَيْنَ الطبقات الاجتماعية⸱ وتغيب المصلحة العامة ومصلحة الوطن وتطغى المصالح الشخصية والعائلية والفئوية والنخبوية⸱ وتتقلص فرص الشغل وتكثر البطالة وترتفع أثمنة المواد الغذائية وتنخفض القوة الشرائية، وتتأزم عموما الظروف الاجتماعية، وتنهار المبادئ والمثل والقيم الأخلاقية⸱ وَفِي قوله تعالى “وَلَا تعثوا فِي الأرض مفسدين”، سورة البقرة، 60، أي لَا تطغوا فِيهَا، “وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تفسدوا فِي الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون” سورة البقرة،11، “ألا إنهم هم المفسدون وَلَكِن لَا يشعرون” سورة البقرة، 12⸵ وكما قَالَ فِي هَذَا الشأن الشاعر والكاتب المصري أحمد شوقي (1868-1932) “وإنما الأمم الأخلاق مَا بقيت – فَإِنَّ هم ذهبت أخلاقهم، ذهبوا”⸱
ويصبح الكسب والكسل والحصول عَلَى الدخول والأموال والوظائف والمناصب بِدُونِ جهد وَلَا كد، والنجاح بالطرق السهلة وبدون أدنى مجهود هِيَ الغاية القصوى وأنجع وسيلة للغنى والثراء⸱ وَقَد جاء ضمن مقدمة ابن خلدون بِشَأْنِ العمل المبذول وأهميته فِي تحديد قيمة المنتوج : “فَلَا بد من الأعمال الإنسانية فِي كل مكسوب ومتمول، لأنه إن كَانَ عملاً بنفسه مثل الصنائع فظاهر، وإن كَانَ مقتنى من الحيوان والنبات والمعدن، فَلَا بد فِيهِ من العمل الإنساني كَمَا تراه، وإلا لَمْ يحصل وَلَمْ يقع بِهِ انتفاع”⸱
ومآل هاته السلوكات اللا أخلاقية، وتواترها من جيل لجيل، والانزلاق إِلَى التفاهات والسطحيات والخروقات، التصدع والتدهور الاجتماعي لَا محالة، مِمَّا يؤدي كذلك حتما، مَعَ الزمن، إِلَى تمزيق خلايا المجتمع عموما وانهيار الأمة وحضارتها وتاريخها⸱ وَفِي نفس المعنى يقول أحمد شوقي: صلاح أمرك للأخلاق مرجعه – فقوم النفس بالأخلاق تستقم[16]⸱
د-الآثار والعواقب القانونية والقضائية لسوء التدبير المالي والإداري ورداءته
تترتب عَنْ هَذِهِ الخروقات والانتهاكات المالية والإدارية العويصة والمزمنة (سوء التدبير والتبذير والفساد) آثار قانونية وقضائية مؤسفة للغاية⸱ تَتَمَثَلُ أساسا، وَلَيْسَ حصريا، فِي عدم الاكتراث بالقواعد القانونية، ضبطية كَانَت أم أخلاقية أم اجتماعية⸱ وهكذا نلاحظ شرائح مختلفة من المجتمع تتعمد انتهاك شرعية القوانين، وتخطي الضوابط الاجتماعية، بِدُونِ محاسبة وَلَا عقاب، شرائح قوية فاسدة اعتادت الدخول والأرباح والربائح والأموال السهلة وغير المشروعة، وشرائح ذات طبائع طيعة ومنصاعة، مهيأة لتقليد هَذِهِ الممارسات المالية والإدارية الشاذة (رشوة أَوْ هدية، تملص، تهريب، اختلاس، غسيل، نهب، تزوير، ابتزاز، تلاعب، وساطة ومضاربات، استغلال النفوذ⸱⸱⸱)، وشرائح أُخْرَى ثالثة، من المجتمع، بسيطة أم ميسورة، تكتفي بِمَا كسبت بجهدها وبعرق جبينها، لِأَنَّ العمل الصالح قناعة وراحة البال، وقيمة مضافة عَلَى مُسْتَوَى الفرد والأسرة والإدارة والشركة والمؤسسة والوطن⸱ وَفِي قوله تعالى: “إن اللَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالحات، إنا لَا نضيع أجر من أحسن عملا”، سورة الكهف، الآية 30⸵ وَفِي سورة آل عمران الآية 57: “وأما اللَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالحات، فيوفيهم أجورهم والله لَا يحب الظالمين”⸱ وإنما الحث عَلَى العمل الصالح مسؤولية، وَأَن يكون كسب الرزق ثمرة جهد، وأفضل مَا يأكل الإنسان مَا كسبه بيده، وورد فِي الحديث النبوي: “مَا أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده⸱⸱⸱إن أطيب مَا أكل الرجل من كسبه”[17]⸱
جاء الدستور الحالي، فِي يوليو 2011، بعدة مقتضيات، تَأْكِيدًا أم تأسيسا، من بينها تكريس دستورية العديد من المؤسسات والهيئات والمبادئ المتعلقة بحماية الحقوق والحريات ومحاربة الرشوة والفساد المالي: مثل المجلس الأَعْلَى للسلطة القضائية، حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، المحاكم العادية والإدارية والمحكمة الدستورية، الجماعات الترابية، المجلس الأَعْلَى للحسابات، المجالس الجهوية للحسابات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الحكامة الجيدة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط للدفاع عَنْ الحقوق الإدارية، مجلس الجالية المغربية، الهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، الهيأة الوَطَنِية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، المجلس الأَعْلَى للتربية والتَّكْوين وَالبَحْث العلمي⸱⸱⸱(الفصول من 107 إِلَى 170)⸱ لكن فِي الواقع المعاش، وَفِي الحياة اليومية لمعظم الشرائح الاجتماعية، وبرأي الخبراء فِي الموضوع والمهتمين بجودة تدبير الشأن العام أَنَّ كُلَّ هَذِهِ المؤسسات ضعيفة الفعالية، وتظل فِي معظمها مؤسسات وهيئات صورية، وأصداف فارغة، ليس لَهَا لَا الوسائل وَلَا القدرة وَلَا الإرادة عَلَى مكافحة الفساد المالي والإداري الَّذِي مَا فتئ يستفحل سنة بعد أُخْرَى⸱
وكرس الدستور كذلك مقتضيات أُخْرَى، قانونية وقضائية، جاء فِيهَا خاصة: تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع فِي تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية الَّتِي أقرها الدستور (ف 154)⸵ يعاقب القانون عَلَى الشطط فِي استعمال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعة فِي العلاقات الاقتصادية (ف 36 الفقرة 3)⸵ لَا يلزم قضاة الأحكام إلَّا بتطبيق القانون وَلَا تصدر أحكام القضاء إلَّا عَلَى أساس التطبيق العادل للقانون (ف 110 الفقرة الأُوْلَى)⸵ يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون (ف 117)⸵ حق التقاضي مضمون لِكُلِّ شخص للدفاع عَنْ حقوقه وعن مصالحه الَّتِي يحميها القانون (ف 118)⸵ لِكُلِّ شخص الحق فِي محاكمة عادلة، وَفِي حكم يصدر دَاخِل أجل معقول، حقوق الدفاع مضمونة أَمَامَ جميع المحاكم (ف 20)⸵ يحق لِكُلِّ من تضرر من خطأ قضائي الحصول عَلَى تعويض تتحمله الدولة (ف 122)⸵ تعمل الشرطة القضائية تحت سلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، فِي كل مَا يَتَعَلَّقُ بالأبحاث والتحريات الضرورية فِي شأن الجرائم، وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة (ف 128)⸱ إن كل هَذِهِ المقتضيات الدستورية تنم، مبدئيا، عَنْ نوايا حسنة⸱ لكن شتان مَا بَيْنَ النوايا والإرادات والأفعال⸱ إن العديد من المؤشرات البنيوية التحذيرية تؤكد أن السياسات العمومية المالية والإدارية لمحاربة الفساد مَا تَزَالُ هشة، جد ضعيفة، لَا ترقى إِلَى مَا تصبو إِلَيْهِ البلاد والعباد اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وتنمويا⸱ لأنها سياسات تفتقر إِلَى إرادات حقيقية وعزيمة قوية لتنزيلها واستراتيجيات فعالة مرفقة بالملاحقة والعقاب، لمحاربة هَذِهِ الظاهرة السلبية المزمنة، الَّتِي كبدت، وما تَزَالُ، أضرارا مالية واقتصادية فادحة للبلاد تقدر سنويا بعشرات الملايير درهم[18]⸱
إن الحرية، حَسَبَ المفكر السياسي مونتسكيو (1689-1755)، هِيَ الحق فِي القيام بِكُلِّ مَا يسمح بِهِ القانون⸵ والقضاء أَوْ العدل، فِي رأي المنظر والفيلسوف برودون (1809-1865)، هُوَ احترام كرامة الإنسان⸵ وَلَا يمكن أن نعترف بوجود قضاء إلَّا عِنْدَمَا يكون هَذَا القضاء قادرا عَلَى أن يعاقب وقت العقاب وَأَن يكافئ وقت المكافأة، كَمَا قَالَ المؤرخ الفرنسي ميشلي 1798- 1874⸱[19]
المحور الرابع: طرق معالجة ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
Les méthodes de résorption et de « guérison » de ce phénomène pathologique de dilapidation des richesses, du patrimoine et des fonds publics, ou les mesures pour enrayer cette « épidémie » de la défectuosité de la gestion des richesses naturelles, du patrimoine et des fonds publics
إن تشخيص ظاهرة الفساد المالي والإداري بوصفه ممارسات خارجة نهائيا عَنْ القانون، وانحرافات مالية، إجرامية اقتصادية، من قبل أرباب السلطة، سياسية كَانَت أم إدارية، اقتصادية أم اجتماعية، أم بيداغوجية- تربوية، بطرق علمية موضوعية، تعتبر مرحلة حاسمة لإيجاد الحلول الناجعة لمحاربة هَذِهِ الآفة الخطيرة والمزمنة⸱ وتكمن هَذِهِ الحلول فِي أسباب ظهور هَذِهِ العاهة الَّتِي تقوض كل شكل من أشكال الديمقراطية والتنمية والتماسك الاجتماعي⸱ إن التماسك والتلاحم بَيْنَ شرائح المجتمع ثقافة نبيلة، والثقافة النبيلة سلوك يكتسب بالتربية وَالتَعْلِيم والأخلاق دَاخِل الأسرة، والمدرسة، والإدارة، والشركة، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، والجامعات والأحزاب والنقابات⸵ وَيُسَاهِمُ بِشَكْل کَبِير فِي التطور الديمقراطي للبلاد وتنميته الاقتصادية وتلاحمه الاجتماعي⸱ وَعَلَى هَذَا الأساس، فظاهرة الفساد المالي والإداري ظاهرة سلبية مزمنة ومعقدة، تتطلب تضافر جهود كل القوات الفاعلة فِي المجتمع، للتصدي لِهَذِهِ الآفة: منظمات حكومية وغير حكومية، إدارات ومقاولات، أسر وأفراد، إعلام، ومؤسسات دينية وتربوية⸱ وتأسيسا عَلَى هَذِهِ المُعْطَيات يمكن تحديد هَذِهِ الحلول وحصرها فِي هَذِهِ العوامل والمؤشرات : السياسية والإدارية، الاقتصادية والمالية، الاجتماعية والثقافية، القانونية والقضائية⸱
أ-مقترحات سياسية وإدارية لمعالجة ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن “العمران البشري، كَمَا يقول ابن خلدون فِي المقدمة، لَا بد لَهُ من سياسة ينتظم بِهَا أمره”⸱ وَلِهَذا فمن واجب الدولة، وواجب الحكومة، المسؤول الأول بِدُونِ نزاع، أن تدمج فِي سياساتها العمومية بَرَامِج سنوية لتكوين أطرها فِي المحاسبة وعمليات تسجيل وتبويب المدخلات والمخرجات والتدفقات المالية الَّتِي تعبر عَنْ الوقائع والأحداث الاقتصادية والاجتماعية وفق نظام قِيَاسِي معين⸱ وَأَن تعمل عَلَى توحيد حسابات الشركات وتسهيل وصول الإدارات الضريبية إِلَى هاته الحسابات⸱ وَأَن توفر للسلطات الضريبية الوسائل الكافية لمحاربة الممارسات المالية والضريبية غير الشرعية، أَوْ الخارجة عَنْ القانون⸱ وَأَن تقوم بسن تشريعات ضرورية وملائمة حَتَّى لَا تكون سرية الأعمال محظورة، وَأَن تؤسس لرقابة فعالة عَلَى معاملات الصرف الأجنبية⸱
إن مِنْ بَيْنِ الشروط المعيارية الأساسية لمكافحة الفساد، وَالَّتِي هِيَ مسؤولية صعبة عَلَى عاتق السلطات العمومية، نذكر تحديدا وجود إرادة سياسية قوية لمكافحة هَذِهِ الظاهرة المرضية، برد الاعتبار للقيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية دَاخِل الإدارات وَفِي المحاكم والمؤسسات الأمنية والتربوية والثقافية⸱ إحداث رقابة مُوَاكَبَة صارمة، داخلية وخارجية، برجال أكفاء ومعايير موضوعية، وقيام التوظيف حَسَبَ الكفاءات، وتقسيم المهام بَيْنَ المصالح عَلَى أساس الاختصاص، وتوزيع السلطة الإدارية والتربوية والعلمية حَسَبَ المهارات، والكفاءة والخبرة والنزاهة، وإدخال الوسائل التكنولوجية لتسهيل الوصول إِلَى المعلومة ومعالجتها والتحكم فِيهَا⸱
وَمِنْ واجب الدولة كذلك والسلطات العمومية أن تعي بِأَنَّ الأجور، فِي جميع القطاعات، العام والخاص والمختلط، يَجِبُ أن تكون متساوية وإلا متكافئة مَعَ المجهودات المبذولة والكفاءات والمهارات ساعات العمل⸱ يَجِبُ أن نعلم أن مِنْ بَيْنِ أسباب الرشاوى والهدايا المقنعة والتهاون فِي العمل هُوَ ضآلة الأجور وعدم مطابقتها أصلا للجهود والكفاءات والساعات المبذولة خِلَالَ أوقات العمل[20]⸱
ب-مقترحات اقتصادية ومالية لمعالجة ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن مكافحة الفساد المالي والإداري، من وجهة نظر اقتصادية ومالية، تقتضي الأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل، تتعلق أساسا بالمجال والتدبير والمراقبة والمحاسبة والادخار والاستثمار والتعاون⸱ فالمجال الجغرافي يتطلب استيعاب الحالات الشاذة والمزرية فِي القطاع العام والخاص والمختلط، وبين القطاعات الاقتصادية، وبين المجال الحضري والقروي، ومكافحة القطاع غير المهيكل، وتثمين الخيرات الطبيعية، والفلاحية⸱ والتدبير طريقة علمية، نهج عقلاني، ومصدر من مصادر تمويل الاقتصاد ذو أهمية بالغة، قَد تقدر إسهاماته فِي تمويل الماليات العمومية النامية أَوْ المتخلفة، إن هُوَ استعمل بطرق جيدة، بنسبة تَتَرَاوَحُ حالية مَا بَيْنَ 35 إِلَى 50 بالمئة حَسَبَ كل دولة من هَذِهِ الدول النامية⸱
والمراقبة المالية والمحاسبية لَهَا دور کَبِير جدا فِي مكافحة هَذِهِ الظاهرة المرضية إِذَا هِيَ طبقت بِكُلِّ صارمة⸵ وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ فحص ومراجعة وتقييم العمليات المالية ومقارنة المشاريع الموضوعة بالنتائج والإنجازات والأهداف المنتظرة، وضمان دقة السجلات والوثائق والمستندات والدفاتر والبيانات المالية والمحاسبية، واستخدام المعلوميات والتكنولوجيا والمحافظة والحرص عَلَى الأصول والتدفقات المالية من التلاعب والاختلاس⸱
والفساد المالي والإداري يقوض نهائيا حركية الادخار والاستثمار وجلب رؤوس الأموال وثقة المستثمر الداخلي والأجنبي فِي الإدارات والمؤسسات المكلفة بمساعدة المستثمر وبسياسة الاستثمار المنتهجة فِي البلاد ذات الصلة⸱ “إن المباني الَّتِي كَانَت تختطها العرب، يقول ابن خلدون فِي المقدمة، يسرع إِلَيْهَا الخراب إلَّا فِي الأقل”⸱ وَلِهَذا فالتعاون الدَّوْلِي بَيْنَ القطاعات والسلطات الوَطَنِية والأجنبية والقطاع الخاص فِي هَذَا الشأن لَهُ دورا فعالا فِي المساعدة التقنية وتبادل المَعْلُومَات، واسترداد الموجودات إِلَى ملاكها الشرعيين، وتنفيذ الاتفاقيات الهادفة للتنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد⸱ وأداء الفريضة الضريبية واجب عَلَى عاتق كل ملزم، عَلَى قدر استطاعته، لكن ليس هُوَ المصدر الوحيد، بَلْ هُنَاكَ مصادر متعددة ومتنوعة لتمويل الاقتصاد الوطني: كعقلنة التدبير ونجاعته، وتشجيع الاقتصاد العمومي واستغلال الموارد الطبيعية عَلَى أحسن وجهه، وتحفيز الأثرياء عَلَى الهبات والوصايا، ومهارات وخبرة الموارد البشرية[21]⸱
ج- مقترحات اجتماعية وثقافية لمعالجة ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
إن الفقر والحاجة و السكن غير اللائق والحرمان يعتبرون مِنْ بَيْنِ العوامل الأساسية فِي تغذية الفساد المالي والإداري⸵ الأمر الَّذِي يجعلنا أن نفكر بجدية فِي مناهج سياسية أُخْرَى واستراتيجيات مغايرة قادرة أن تأخذ بعين الاعتبار هَذِهِ الحقائق المؤلمة، وَالبِتَّالِي اقتلاعها يؤدي حتما إِلَى اقتلاع جزء کَبِير من هَذِهِ الظاهرة المرضية⸱
إذن جزء کَبِير من سوء التدبير والتبذير، أي الفساد المالي والإداري، يرجع إِلَى رداءة، تدهور أَوْ انعدام المرافق العمومية وخدمات القطاع الخاص، عَلَى مُسْتَوَى المعيشة والقوة الشرائية للأفراد، والصحة وَالتَعْلِيم والسكن والشغل والتشغيل، وشغل المناصب، والنظافة والتشجير والمناطق الخضراء، والمبادلات التجارية المغشوشة والمدنسة بالاحتيال، واقتلاعها يؤدي حتما إِلَى اقتلاع نصيب هام من هَذَا الوبأ⸱
وتكاثف الجهود المبذولة، بتشجيع فعلي من الدولة والحكومة، لِكُلِّ الفاعلين فِي كل القطاعات الاجتماعية والثقافية والعلمية، وَعَلَى المُسْتَوَى الإقليمي والوطني والدولي، للقيام بمهامهم، كالتوعية والشعور بالمواطنة، والقيام بدراسات ومؤتمرات وطنية ودولية، ودور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والإعلام والأسر، والمدارس والثانويات والجامعات، وإشراك الجهات الدولية المسؤولة مثل منظمة الأمم المتحدة والبنك الدَّوْلِي وصندوق النقد الدَّوْلِي وهيئة النزاهة العامة وديوان الرقابة المالية[22]⸱
د-مقترحات قانونية وقضائية لمعالجة ظاهرة تفشي سوء التدبير المالي والإداري ورداءته
والقانون والقضاء لَهُمَا كذلك دور فعال فِي محاربة سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، إِذَا هُمَا طبقا بكيفية صارمة وعادلة⸱ لِأَنَّ سيادة القانون العادل تقتضي قضاء عادلا ومستقلا فِي أحكامه وسلطة إدارية نزيهة لتطبيق أحكام القضاء⸱ إن القانون، كَمَا جاء فِي الدستور، هُوَ أسمى تعبير عَنْ إرادة الأمة، وجميع الأشخاص والسلطات متساوون أمامه وملزمون بالامتثال لَهُ، لكن المشكل الرئيسي يكمن فِي إمكانية تفعيل هَذَا المقتضى وملاحقة كل من تطاول، سلطة أَوْ شخصا عاديا، عَلَى المال العام⸱
وبالرغم من كل التشريعات الجنائية، ونية المشرع، ومختلف القوانين الدستورية والتَّنْظِيمِية وغيرها، المتعلقة بملاحقة مرتكبي الخروقات المالية والانحرافات الإدارية، كتنازع المصالح، واستغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، والتلاعب بالأموال الموجودة تحت تصرف الإدارة، وإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها بطرق غير شرعية، والشطط فِي استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة⸱⸱⸱، لَنْ يتحقق الإنفاذ والردع ومناهضة الفساد إلَّا بقيام قضاء مستقل، عادل ونزيه فِي أحكامه وقراراته⸱
والدستور واضح، ف⸱ 109: “يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عَنْ المتابعات القضائية المحتملة”، لكن الواقع القانوني والقضائي المعاش يظل غامضا⸱ لِهَذَا نلاحظ أَنَّهُ رغم كل هَذِهِ الترسانة، ونية المشرع، فسوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، مَا يزال راسخا متجذرا فِي كل دواليب المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة والمختلطة⸱ وَعَلَى هَذَا الأساس، فظاهرة الفساد المالي والإداري، جد معقدة، وتجتاح زوايا وأركانا عديدة من المجتمع، واقتلاعها يتطلب صرامة ونزاهة وعزيمة قوية من مجموع المسار القاعدي والمؤسساتي: القانون والقضاء والإدارة⸱ حَسَبَ الفصل 126 من الدستور: “يَجِبُ عَلَى السلطات العمومية تَقْدِيم المساعدة اللازمة أثاء المحاكمة، إِذَا صدر الأمر إِلَيْهَا بِذَلِكَ، ويجب عَلَيْهَا المساعدة عَلَى تنفيذ الأحكام”[23]⸱
خاتمة:
Evaluation des efforts déployés par les organisations, institutions, acteurs et décideurs politiques pour la lutte contre ce fléau socioéconomique qui est la défectuosité de la gestion financière et administrative et la dilapidation du patrimoine et des fonds publics.
إِذَا حاولنا تقييم حصيلة المجهودات المبذولة مِنْ طَرَفِ مكونات المجتمع الَّتِي تتمتع فعلا بقوة الردع ومناهضة الفساد: مؤسسات ومنظمات وأجهزة ومرافق، لمكافحة هَذِهِ الظاهرة المالية والإدارية المرضية المتفشية دَاخِل المجتمعات النامية خاصة، وحمايتها من هَذَا الوبأ، قيميا وأخلاقيا وثقافيا
وتضامنا ونظامنا وتنظيما، يَتَعَيَّنُ علينا أن ننهج مقاربة موضوعية علمية ترتكز عَلَى معايير الأداء لتنفيذ المشروع⸱
ومعايير تقييم حصيلة المجهودات الَّتِي بذلها صناع القرار وَكُل الفاعلين المعنيين، مُنْذُ أكثر من عقدين، بصفة عامة، ومنذ الإستراتيجية الوَطَنِية لمكافحة الفساد الَّتِي انطلقت رسميا فِي 3 مايو 2016، وَالَّتِي لَمْ تدخل فعلا حيز التنفيذ إلَّا فِي سنة 2018، بصفة خاصة، يمكن حصرها فِي النقط التالية:
أ- المرجعية الدينية والثقافية
إن التراث العربي الإسلامي، وَالَّذِي يبلغ عمره الآن أكثر من 1400 سنة – عبادات ومعاملات، ثقافة وحضارة – حافل بالقواعد الاجتماعية، والمبادئ الإنسانية، والقيم السلوكية والأخلاقية⸱ وَهُوَ يسعى، مِنْ بَيْنِ أهدافه، إِلَى تنمية الاستقرار النفسي والروحي، والقناعة والتواضع، وتحقيق العدل والتماسك الاجتماعي، والأمر بالمعروف والنهي عَنْ المنكر⸱ وَفِي قوله تعالى: “ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط وَلَا تبخسوا الناس أشياءهم وَلَا تعثوا فِي الأرض مفسدين” سورة هود، الآية 85⸱ وَفِي سورة الأعراف، الآية 74: “واذكروا إِذْ جعلكم خلفاء مِنْ بَعْدِ عاد وبوأكم فِي الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله وَلَا تعثوا فِي الأرض مفسدين”⸱ والنبي محمد يقول فِي باب كل مَا أنكره العقل والشرع أَوْ أقره: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فَإِنَّ لَمْ يستطع فبلسانه، فَإِنَّ لَمْ يستطع فبقلبه، وَذَلِكَ أضعف الإيمان”⸱ وَفِي باب التآزر والتماسك والتعاون يضيف الرسول: “ترى المؤمنين فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إِذَا اشتكى مِنْهُ عضو تداعى لَهُ سائر الجسد بالحمى والسهر”⸱ وجاء عَلَى لسان جايسون هيكيل فِي باب العدالة الاقتصادية والاجتماعية بِأَنَّ “المجتمعات ذات التوزيع غير المتكافئ للدخل تميل إِلَى أَنَّ تكون أقل سعادة”[24]⸱
ب- المرجعية السياسية والمؤسساتية
إن “العمران البشري، كَمَا يقول ابن خلدون، لابد لَهُ من سياسة ينتظم بِهَا أمره”⸱ إلَّا أن هَذِهِ السياسة غاب عَنْهَا هَذَا التراث الحضاري الغني بروافده الثقافية وأحكامه الشرعة، وإنكار المنكر، أي زجر كل عمل يخالف الشرع ويحذر مِنْهُ⸱ والانحرافات والخروقات الماسة مباشرة بالصالح العام تدخل حتما فِي هَذَا الإطار، مثل سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري⸱ وَفِي قوله تعالى: “وَلَا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بِهَا إِلَى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون”، سورة البقرة، الآية 188⸱ وقول الرسول: ” لعن الله الراشي والمرتشي”⸱ وإلى وقت قريب، قَد منعت من البث أَوْ من النشر بَرَامِج أَوْ مقالات تناولت قضايا سياسية أَوْ عسكرية، أَوْ اجتماعية كظاهرة سوء تدبير المرافق العمومية، أَوْ الرشوة والفساد المالي والإداري فِي قطاعات عديدة، كقطاع البناء والتعمير، والبناء العشوائي، أَوْ فضح قضايا مالية عَلَى المواقع الإعلامية أَوْ تسرب وثائق سرية أَوْ المطالبة بتخليق الحياة العامة[25]⸱
وَلَمْ تبدأ هَذِهِ السياسة فِي مكافحة الفساد المالي والإداري إلَّا مُنْذُ عقدين⸱ شرع فِيهَا مُنْذُ الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين فِي الندوة الوَطَنِية المنعقدة فِي 29 أكتوبر 1999، المتعلقة بدعم الأخلاقيات بالمرافق العمومية⸵ والميثاق الوطني لحسن التدبير، وتعزيز الشفافية والنزاهة فِي الإدارة العمومية، فِي ظل حكومة عبد الرحمان اليوسفي (1998-2002) ⸵ والتوقيع، خِلَالَ الحكومة اللاحقة (إدريس جطو 2002-2007)، عَلَى الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد فِي 2003، والمصادقة عَلَيْهَا بعد مضي أربع سنوات (2007)، وَبعْدَ أن تمَّ العمل عَلَى ملاءمة التشريعات الوَطَنِية مَعَ مَا تطلبته هَذِهِ المصادقة⸱ حَيْتُ تمَّ انتقاء مَا يتوافق مَعَ خصوصية التشريعات الوَطَنِية، ونشرت فِي الجريدة الرسمية بِتَارِيخ 17 يناير 2008⸱ وجاء الخطاب الملكي فِي 17 يونيو 2011 مؤكدا تعزيز آليات الحكامة وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد⸱ وكرس دستور 29 يوليو 2011 نفس التوجه فِي العديد من مقتضياته⸱ وتعاقبت الحكومات: بنكيران (2013-2017)، العثماني (2017-2021)، أخنوش (2021-2025)، وصارت فِي نفس النهج⸵ بِحَيْثُ تمَّ تفعيل دور المجلس الأَعْلَى للحسابات عمليا، إِبْتِدَاءً مِنْ سنة 2007، فِي التصدي لمظاهر سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري، وإحداث اللجنة الوَطَنِية لمكافحة الفساد فِي سنة 2017، برئاسة رَئِيس الحكومة، لتتبع تنفيذ الإستراتيجية الوَطَنِية لمكافحة الفساد، الممتدة دَاخِل برمجة متعددة السنوات (2015-2025)، وَالَّتِي أعطيت الانطلاقة الرسمية لَهَا فِي 3 مايو 2016، وَلَمْ يشرع حقا فِي تنفيذها إلَّا فِي سنة 2018⸱[26]
ج-المرجعية القانونية والقضائية
أَكَّدَ الدستور الحالي (2011) مشددا عَلَى معاقبة كل المخالفات والخروقات ذات الطابع المالي والإداري (الفصول 31 و 35 و 36 و115 و147 و167⸱⸱⸱)⸱ وَتَمَّ تفعيل دور المجلس الأَعْلَى للحسابات (الفصول 147-150)، بالرغم من إحداثه مُنْذُ 1979 (القانون رقم 79-12)، كَمَا تمَّ تعزيز مضامين مقتضيات نفس الدستور⸱ أَصْبَحَ المجلس الأَعْلَى للحسابات، مُنْذُ 2011، يتمتع، بوصفه الهيئة العُلْيَا لمراقبة المال العام، باختصاصات فعلية فِي مجالات المراقبة العُلْيَا لمالية الدولة، والحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، ومراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية، وتقديم مساعدته وخبرته للحكومة والبرلمان والهيئات القضائية⸱ وصارت التقارير السنوية للمجلس الأَعْلَى للحسابات، لامتلاكه دراية وخبرة ثابتة بحقائق التدبير المالي والإداري، تشكل دلائل، حجج وبيانات، تدقيقية مالية ومحاسبية، للرأي العام والمجتمع المدني والسياسي⸵ ولملاحقة مرتكبي الجرائم والخروقات والمخالفات فِي حق المال العام والذمة المالية والممتلكات العمومية⸵ تعتمد عَلَيْهَا السلطات العمومية لاتخاذ الإجراءات العقابية اللازمة ضد هَؤُلَاءِ وإحالتهم، حَسَبَ خطورة الضرر، عَلَى القضاء الجنائي أَوْ العادي، للبت فِي ملفاتهم والحكم عَلَيْهِمْ[27]⸱
ر-الأهداف المحددة والواقع الاجتماعي
بذلت فعلا جهود ورسمت أهداف فِي هَذَا الشأن، لكن ظلت كل هَذِهِ النوايا والتعهدات والممارسات غير كافية وَلَا تتوافق إطلاقا مَعَ حجم وخطورة سوء التدبير والتبذير والفساد المالي والإداري الجاري بِهِ العمل حاليا⸱ واتخذت تدابير عقابية، عَلَى إثر التقارير السنوية للمجلس الأَعْلَى للحسابات، ضد مرتكبي الخروقات المالية والإدارية فِي العديد من المرافق، وَعَلَى رأسها وِزَارَة الداخلية (وزراء وكبار المسؤولين) فِي قضية برنامج “الحسيمة منارة المتوسط ” سنة 2018، الَّذِي رصد لَهُ غلاف مالي قدره 6 ملايير و515 ألف درهم[28]⸱ لكن التقارير التقييمية الَّتِي تنجزها سنويا منظمات عالمية غير حكومية مثل منظمة الشفافية “ترانسبرانسي الدولية” بِشَأْنِ دول العالم، تصنف المَغْرِب باستمرار، حَسَبَ حصيلته الإجمالية، فِي مراتب ضعيفة للغاية[29]⸱ ونفس الشيء كذلك بِالنِسْبَةِ للأحكام القضائية فِي مجال محاربة الاختلالات المالية فِي المَغْرِب تظل محدودة الأثر وغير كافية إطلاقا للقضاء عَلَى هَذَا الوبأ⸱ وَكُل مَا نأمله أن تضاف جهود إِلَى جهود، وتضافر كافة هَذِهِ الجهود تجري بالفعل لمحاصرة هاته الآفة وتتخلل بالنجاح فِي المستقبل القريب[30]⸱
لكن الآن، مَا زلت أتساءل فِي حيرة وألم، لِمَاذَا أَصْبَحَ التعيين فِي المناصب أَوْ الترقية أَوْ القيام بمهمة أَوْ النجاح بصفة عامة لَا يجرى، فِي حالات عديدة، عَلَى أساس الكفاءة والنزاهة ؟ أمرجع هَذِهِ الظاهرة الاجتماعية المرضية انهيار القيم والمبادئ الأخلاقية ؟ أمرد هَذِهِ الظاهرة الاجتماعية الوبائية الَّتِي آلت إِلَيْهَا الأوضاع والثقافة الاجتماعية الحالية إِلَى تهميش العقل والعلم والعمل والمعرفة والمسؤولية والأخلاق، وتفضيل الكسب والدخل والرشاوى والإثراء غير المشروع ؟ “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين” سورة التوبة الآية 105، “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لِكُلِّ امرئ مَا نوى” حديث نبوي⸱
[1] مقتضيات الدستور المغربي الحالي 2011، المتعلقة بسيادة القانون وحرية المواطنين والمساواة بينهم وأمام القانون، وتسيير وإدارة المرافق العمومية عَلَى أساس معايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، الفصول 6 و154 إِلَى 160 والفصل 167⸵ ترانسبرانسي المَغْرِب: مرصد محاربة الفساد وتتبع تنفيذ الإستراتيجية الوَطَنِية لمكافحة الفساد، 2015، شبكة الأنتيرنيت⸵ حماية المال: تقدر كلفة الفساد فِي المَغْرِب ب 50 مليار درهم سنويا، موقع متمدرس، الرباط فِي 22 يناير 2020⸵ نوفل الشرقاوي، الفساد فِي المَغْرِب يتوسع عَلَى الرغم من تشديد القوانين، العربية 2 ديسمبر 2021⸵ لَمْ يعد الفساد ظاهرة دخيلة: أسباب الفشل فِي محاربة الفساد المالي فِي المَغْرِب، الحرة / خاص – واشنطن، فِي 16 فبراير 2023⸵ مصطفى يخلف، فساد المال العمومي بالمغرب، أنفاس بريس، فِي 11 مايو 2023، مقالات موجودة عَلَى الأنتيرنيت⸱
[2] الشمري هشام، كاظم الفتلي، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، دار اليازوري العلمية، عمان، 2011، عدد الصفحات 261، ص⸱ 29-37⸵ محمد علي سلامي، أ⸱د/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي فِي المجتمع الجزائري، مجلة الباحث فِي العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجد 12 (04)/ 2020، الجزائر: جامعة قاصدي مرباح ورقلة، ص⸱ 27-42)⸵ سارة زقيبة، طرق مكافحة الفساد، 28 أبريل 2022، جريدة موضوع⸵ لَمْ يعد الفساد ظاهرة دخيلة: أسباب الفشل فِي محاربة الفساد المالي فِي المَغْرِب، الحرة / خاص – واشنطن، فِي 16 فبراير 2023⸵ أية القواسمي، طرق مكافحة الفساد المالي والإداري، 13 غشت 2023، جريدة موضوع⸱
[3] (روني ديكارت، خطاب فِي المنهجية، 1637 – الجيلالي شبيه، المنهجية عِنْدَ ديكارت، 2015)⸱
René Descartes, Discours de la Méthode, pour bien conduire sa raison, et chercher la vérité dans les sciences, 1637 ; Jilali Chabih, La méthode chez Descartes, 2015, article disponible sur le net.
[4] Emile Durkheim, Les règles de la méthode sociologique, 1894 ; Jilali Chabih, Les règles de la méthode de recherche scientifique, 2020, disponible sur le web.
[5]Transparency international, classement des Etats du monde par indice de perception de la corruption, année 2022 ; L’Atlas Sociologique Mondial, Classement des Etats du monde par indice de perception de la corruption, 2023 ; source : Transparency international, Journal du Net (JDN), Classement des salaires par pays, 2019, documents accessibles sur le Web.
[6]أ⸱د⸱ حسين عليوي ناصر الزيادي، الفساد المالي والإداري فِي العراق: رؤية جغرافية – سياسية، مركز الرافدين للحوار، الطبعة الأُوْلَى – بيروت، النجف الأشرف، جامعة ذِي قار، 2023، ص⸱ 38⸱ L’étude de la Banque mondiale qui évalue le coût de la corruption à 5% du PIB, et à 39 milliards de dh par an, ne tient pas compte de la mauvaise gestion, de l’absence de contrôle, de la dilapidation du patrimoine et des fonds publics, de la fraude fiscale, de la fuite des capitaux, du blanchiment d’argent, des dysfonctionnements, des défaillances, des comportements malveillants, etc. ; Rapports annuels de l’Organisation Transparency international, de la Banque mondiale, de Bank Al Maghreb, de la Cour des comptes et des Cours régionales des comptes ; Telquel, du 30 nov. 2014, sur la corruption ; La chambre criminelle chargée des crimes financiers près la Cour d’appel de Salé ; L’instance nationale de probité, de la prévention et de la lutte contre la corruption ; Aujourd’hui le Maroc, avril 2022, sur la corruption ; documents accessibles sur le Web ; Code pénal marocain, art. 248-256 bis.
حوار مَعَ رَئِيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، المصدر: أصوات مغاربية، أبريل 2023، محمد علي سلامي، أ⸱د/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي فِي المجتمع الجزائري، مقال سبق ذكره، الشمري هشام، كاظم الفتلي، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، مقال سابق، ص⸱ 40-82، عرشوش سفيان، أمال بن عشي، الفساد المالي فِي المجال الاقتصادي، مجلة الحقوق والعلوم السياسية، العدد 11، يناير 2019 ص⸱ 59-80⸱
[7] محمد علي سلامي، أ⸱د/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي فِي المجتمع الجزائري، مقال سابق، ص⸱ 27-42⸵ حمدي عبد العظيم، عولمة الفساد وفساد العولمة، الدار الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2011، عدد الصفحات 318⸵ أ⸱د⸱ حسين عليوي وناصر الزيادي، الفساد المالي والإداري فِي العراق: رؤية جغرافية – سياسية، 2023، مرجع سابق، عدد الصفحات 165⸵ سامية جباري، مظاهر الأزمة الأخلاقية عِنْدَ حكام الأندلس، دراسات أندلسية، يوليو 2018، موجود عَلَى الأنتيرنيت⸵ شمري هشام، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، مرجع سابق، ص⸱ 19 وما بعدها⸱
[8] ياسمين مجلي عبود الركابي، الفساد الإداري والمالي فِي مؤسسات الدولة العباسية فِي العراق (334-656 هجرية) رسالة ماجستير، جامعة الكوفة، كلية الآداب، 2019، ص⸱ 11، عَنْ أ⸱د⸱ حسين عليوي وناصر الزيادي، الفساد المالي والإداري فِي العراق: رؤية جغرافية – سياسية، 2023، مرجع سابق، ص⸱ 73⸵ محمد علي سلامي، أ⸱د/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي فِي المجتمع الجزائري، مقال سابق، ص⸱ 27-42⸱
[9]راجع فِي هَذِهِ الحالة معطيات البنك الدَّوْلِي، صندوق النقد الدَّوْلِي، الشعبة الإحصائية بالأمم المتحدة، ويكيبديا، قائمة الدول والتبعيات حَسَبَ المساحة – المعرفة، معطيات موجودة عَلَى شبكة الأنتيرنيت⸱
Transparency international ; Word population by country 2023 (live) ; Atlas Sociologique Mondial (ATLASOCIO.COM) ; Word Population Prospect, Population Division, Department of Economic and Social Affairs, United Nations, documents accessibles sur le Web.
[10] Eric Berr, La dette des pays en développement : bilan et perspectives, Université Montesquieu Bordeaux IV, p. 12, sans précision de date ; François Bétard et Monique Fort, Les risques liés à la nature et leur gestion dans les Suds (Natural risks and their management in developing countries, Bulletin de l’Association de Géographes Français, mars 2014, p. 231-240 ; Jilali Chabih, La responsabilité des Etats dans la gestion des crises, décembre 2020, accessibles sur le Web.
[11] محمد علي سلامي، أ⸱د/ عبد الحميد جفال، (2020)، قراءة سوسيولوجية لظاهرة الفساد المالي فِي المجتمع الجزائري، مجلة الباحث فِي العلوم الإنسانية والاجتماعية، مرجع سابق، ص⸱ 27-42⸵ الشمري هشام، كاظم الفتلي، الفساد الإداري والمالي وآثاره الاقتصادية والاجتماعية، مرجع سابق، ص⸱ 38-44⸱
Définition de la sociologie, Université de Montréal, Faculté des arts et des sciences, Département de Sociologie ; Jilali Chabih, Migration et phénomène migratoire : réflexions sur une thématique galvaudée, compromise idéologiquement, sept. 2020 ; v. aussi : A travers la grille, le chemin de ronde, et par-delà …le ciel, Libération, déc. 2020.
[12]الجيلالي شبيه، مفهوم الفانون، 2020، مقال موجود عَلَى الأنتيرنيت⸵ محمد الغلوسي، رَئِيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، حوار مَعَ “أصوات مغاربية”، مرجع سابق، متوفر عَلَى الأنتيرنيت، الجيلالي شبيه، الرقابة المالية بالمغرب، 2020، مقال متوفر عَلَى الأنتيرنيت⸵ نوال طارق إبراهيم، المظاهر القانونية للفساد وإستراتيجية مكافحته فِي تعزيز النزاهة، 2019، جامعة بغداد، العراق، ص⸱ 117-118⸵ عصام عبد الفتاح، جرائم الفساد الإداري⸱⸱⸱ فِي الدول العربية والأجنبية، الإسكندرية، مصر، دار الجامعة الجديدة، 2011، ص⸱ 293 و294 و 304 و334⸱
[13] ط⸱ د⸱/ عاتي يمينة، الفساد الإداري والمالي مفاهيمه، أسبابه، وأشكاله، وأثاره عَلَى التنمية الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة محمد خيضر، بسكرة، 2018، 12 ص⸱
[14] بالي حمزة، محاضرات فِي مقياس تَارِيخ الفكر الاقتصادي، السنة الجامعية 2020-2021، جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي، عطاءات ابن خلدون والمقريزي وابن تيمية فِي الفكر الاقتصادي، ص⸱ 31-47⸵ مدحت القريشي، تطور الفكر الاقتصادي جامعة البلقاء التطبيقية، الأردن، دار أوائل للنشر، 2008، ص⸱ 66 -74⸱
[15] Béatrice Touchelay, Fraude, contrefaçon et contrebande : quelques constantes, in Gestion et finances publiques, 2018, n°3, p. 43-49 ; Rapport sur les trafics illicites, Organisation mondiale des douanes (OMD), 2013 ; Gabriel Zucman, La richesse cachée des nations ; enquête sur les paradis fiscaux, Paris, éd. du Seuil et de La Républiques des idées, 2013 ; Ministère de l’Economie, des Finances et de la Souveraineté Industrielle et Numérique, Mission interministérielle de coordination anti-fraude, 2019 ; Colloque du Ministère de l’Economie et des finances, Fraude, frontières et territoires, 23 et 24 nov. 2017.
[16]مقدمة ابن خلدون، دار القلم، بيروت، لبنان، الطبعة الرَّابِعَة، 1981⸵ ط⸱ د⸱/ عاتي يمينة، الفساد الإداري والمالي مفاهيمه، أسبابه، وأشكاله، وأثاره عَلَى التنمية الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، مرجع سبق ذكره⸵ عبد القادر حادوش، تقسيم العمل ونظرية القيمة فِي الفكر الخلدوني، 23 نونبر 2008، موجود عَلَى الأنتيرنيت ⸵ حسام العيسوي إبراهيم، قيام الحضارات وسقوطها “ابن خلدون نموذجا”، 2014⸵ هَكَذَا تنبأ ابن خلدون بسقوط الدول، أخبار اليوم، الأربعاء 5 يونيو 2019⸵ عماد الدين إبراهيم عبد الرزاق، أزمة الحضارة والإنسان فِي فكر ابن خلدون، أكتوبر 2021، مراجع متوفرة عَلَى الأنتيرنيت⸱
[17] الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (810-870)، صحيح البخاري، “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم وسننه وأيامه⸱ عَنْ عائشة قالت: قَالَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم :”إن أطيب مَا أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه”، كتاب صحيح سنن أبي داود (817-888)⸱
[18] Transparency International, Indice de perception de la corruption 2022, face à une corruption qui génère plus de violences dans le monde, le Maroc, lui aussi non plus, ne peut pas se contenter d’une 38ème place sur 180 pays et territoires.
[19] ط⸱د⸱/ عاتي يمينة، الفساد الإداري والمالي: مفاهيمه، أسبابه، وأشكاله وأثاره عَلَى التنمية الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، مرجع سبق ذكره⸵ محمد الغلوسي، رَئِيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، حوار مَعَ “أصوات مغاربية”، مقال سبق ذكره⸵ ترانسبرانسي المَغْرِب، مرصد محاربة الفساد، تتبع تنفيذ الإستراتيجية الوَطَنِية لمكافحة الفساد، مرجع سابق⸵ لَمْ يعد ظاهرة دخيلة: أسباب الفشل فِي محاربة الفساد المالي فِي المَغْرِب، الحرة/ خاص، واشمطن، مرجع سابق⸵ الفساد فِي المَغْرِب، ويكيبديا⸵ نوفل الشرقاوي، الفساد فِي المَغْرِب يتوسع عَلَى الرغم من تشديد القوانين، مرجع سابق⸵ القاضية مينا سوعراتي، الدور القيادي: آليات الإبلاغ عَنْ الفساد الجهاز القضائي المغربي، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أكتوبر 2019⸵ الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، مكتب المفوض السامي، مكافحة الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة، فِي 8 فبراير 2022⸱
[20] Fraude, contrefaçon et contrebande : quelques constantes, B. Touchelay, in gestion et finances publiques, op. cité, p. 43-49
علي حمزة عباس، محاربة الفساد الإداري، مجلة كلية الحقوق، جامعة النهرين، العراق، 2018، ص⸱ 81-98⸱
Combating the administrative corruption, Dr. Ali Hamza Abbas
أمال حفناوي، العوامل المؤدية للفساد الإداري والمالي ومؤشرات قياسه عالميا، جامعة العربي التبسي، تبسه، الجزائر، مجلة ايليزا للبحوث والدراسات، المجلد 04، العدد 01، 2019، ص⸱ 107-132⸵ أية القواسمي، طرق مكافحة الفساد المالي والإداري، 2023، مرجع سابق⸵ سارة زقيبة، طرق مكافحة الفساد المالي، 2022، مرجع سابق⸵ شبلي إسماعيل سويطي، دور الرقابة الداخلية فِي مكافحة الفساد فِي وحدات المشتريات فِي مؤسسات القطاع العام الفلسطيني، كلية العلوم الإدارية والاقتصادية، جامعة القدس المفتوحة، القدس – فلسطين، المجلة العربية للإدارة، مارس 2022، ص⸱ 73-94⸱
[21] حوار مَعَ رَئِيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أصوات مغاربية، مرجع سابق⸵ أية القواسمي، طرق مكافحة الفساد المالي والإداري، 2023، مرجع سابق⸵ علي حمزة عباس، محاربة الفساد الإداري، 2018، ص⸱ 91، مرجع سابق⸵ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، فيينا 2004، 56
ص⸱⸵ الجيلالي شبيه، الرقابة المالية بالمغرب، 2020، مرجع سابق⸱
[22] الإستراتيجية الوَطَنِية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، الإبلاغ عَنْ الفساد، هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، حي الغدير، الرياض، السعودية، مارس 2023⸵ المؤتمر الدَّوْلِي العلمي، سبل الاستفادة من الجهود المبذولة فِي مجال مكافحة الفساد المالي والإداري عَلَى الصعيد الدَّوْلِي والإقليمي، 18-19 مارس 2023، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية، الاقتصادية والسياسية، ألمانيا، برلين
Democratic Arabic Center for strategic, Political and Economic Studies
سعاد عبد الفتاح محمد، الفساد الإداري والمالي فِي العراق، 19 ص⸱
[23] عصام عبد الفتاح، جرائم الفساد الإداري، دراسة قانونية تحليلية مقارنة فِي ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريعات الجنائية وقوانين مكافحة الفساد فِي الدول العربية والأجنبية، المكتبة المركزية، الجامعة الإسلامية، غزة، الإسكندرية، مصر، دار الجامعة الجديدة 2011، ص، 293 وما بعدها، و304 و334 و347⸵ فيصل عبد الحافظ الشوابكه، مكافحة الفساد الإداري، التجربة الأردنية نموذجا، دراسات علوم الشريعة والقانون، المجلد 45، عدد4، ملحق 2، 2018، ص⸱ 201-207⸵ نوال طارق إبراهيم، المظاهر القانونية للفساد وإستراتيجية مكافحته فِي تعزيز قيم النزاهة، جامعة بغداد، العراق، دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، يوليوز 2019، مرجع سابق⸵ التدابير المتعلقة بالجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة، اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ص⸱ 13 و21 و22 و33⸱
[24]بن حليمة محمد، دور المؤسسات الدينية فِي تأطير السلوك الاجتماعي، جامعة الجائر، الجزائر 2016⸵ مصطفى عاشور، الدين والتماسك الاجتماعي، إسلام أون لاين⸵ خضر دوملي، دور الدين فِي المصلحة والاستقرار والتماسك الاجتماعي، غشت 2017، مقالات متوفرة عَلَى الأنتيرنيت⸱
Jason Hickel, Less is more, How degrowth will save the World, London, Penguin Random House, 2020.
[25] الجيلالي شبيه، علاقة الصحافة والقضاء تحت مجهر التحليل، يوليوز 2015، مقال متوفر عَلَى الأنتيرنيت
[26] محمد براو، حدود سياسات مكافحة الفساد بالمغرب، سبتمبر 2023⸵ المَرْسُوم رقم 582⸱ 17⸱ 2⸱ الصادر فِي 16 أكتوبر 2017، المتعلق باختصاصات اللجنة الوَطَنِية لمكافحة الفساد، تختص هَذِهِ اللجنة بتقديم المقترحات ودراسة البرامج والمشاريع وتتبع تنفيذها ودعم المجهودات الوَطَنِية لمكافحة الفساد واتخاذ التدابير اللازمة لِتَعْزِيزِ التعاون الدَّوْلِي⸱ وتتشكل اللجنة بالإِضَافَةِ لرئيسها من السلطات الحكومية وممثلو المنظمة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلا، وجمعيتين من جمعيات المجتمع المدني العاملة فِي مجال مكافحة الفساد⸱ راجع المَرْسُوم رقم 582⸱ 17⸱ 2⸱ سالف الذكر⸵ المجلس الأَعْلَى للحسابات ينشر سنويا تقاريره المتعلقة بمراقبة وتتبع تنفيذ المال العام⸱
[27] محمد براو، حدود سياسات مكافحة الفساد بالمغرب، مرجع سابق⸵ فِي الواقع، ظهرت أهمية أعمال المجلس الأَعْلَى للحسابات مُنْذُ 2008⸱ رَغْمَ أَنَّ المَغْرِب كَانَ يحتل آنذاك الرتبة 80 عَلَى 178 دولة⸱
Transparency international, the global coalition against corruption, September 2008.
وكيف مَا كَانَ الحال، فالرتبة 80 أفضل بكثير من الرتبة 94 عَلَى 180 دولة، المحصل عَلَيْهَا خِلَالَ سنة 2022⸱
[28] اختلالات برنامج “الحسيمة منارة المتوسط” تصل إِلَى البرلمان، إنصاف بريس، فِي ديسمبر 2018⸵ شيماء بخساس، “الحسيمة منارة المتوسط ” لَا يزال يثير الجدل⸱⸱⸱ دَاخِل البرلمان، فِي مايو 2018⸵
[29] Transparency international, the global coalition against corruption, September 2022.
[30] شريهان ممدوح حسن أحمد، جهود مكافحة الفساد الإداري والمالي فِي المملكة العربية السعودية، “دراسة مقارنة”، جامعة شقراء، السعودية، عدد ص⸱ 30⸵ السعودية: كشف تفاصيل 18 قضية فساد بمئات الملايين متهمون فِيهَا شخصيات هامة، جرائم الفساد المالي والإداري لَا تسقط بالتقادم، هيئة الرقابة ومكافحة الفساد
Oversight and Ant-corruption Authority, December 2022. تطرح حاليا قضايا عديدة فِي الفساد المالي والإداري أَمَامَ المحاكم، وكلفة الفساد باهظة تستنزف، حَسَبَ الجمعية المغربية لحماية المال العام، مَا يقارب 5% من الناتج الداخلي الخام، و50 مليار درهم سنويا فَقَطْ فِي الصفقات العمومية⸱ مَعَ العلم أن الرهان اليوم عَلَى دور الاستثمار فِي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية يظل قائما، ويظل قائما كذلك دور القضاء فِي هَذَا المجال⸱ أنظر عبد الله التجاني، هل تواصل المحاكم المغربية مباشرة ملفات الفساد بعد العطلة القضائية، موقع متمدرس، شتنبر 2023⸱
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي men-gov.ma عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربويــة
ـ اضافة ميزات وخدمات تعلــيمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير men-gov.ma وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا
À propos du site
Chaque année, notre plateforme profite à plus de 25 millions de visiteurs de tous âges.
Sur men-gov.ma, nous avons pris en charge 4 principes:
Qualité et exactitude du contenu publié sur le site
Navigation fluide du site et bonne organisation afin d’obtenir des informations sans prendre la peine de chercher
Mise à jour continue du contenu publié et se tenir au courant des nouveaux développements du système éducatif
Ajout de fonctionnalités et de services éducatifs renouvelables
Depuis 3 ans, nous avons fourni plus de 50 000 articles et plus de 00 000 fichiers pour un développement permanent de notre plateforme qui correspond à vos aspirations, et le suivant est plus beau, si Dieu le veut.
⇐ Plateforme développée par DesertiGO et maintenue par men-gov.ma
⇐ Vous pouvez nous suivre sur les réseaux sociaux pour recevoir nos actualités: cliquez ici PRprsnt